للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ - وَكَانَتْ جَدَّتُهُ قَدْ زَنَتْ - أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا جَدَّتَهُ الَّتِي أَحْدَثَتْ ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُجْلَدُ الْحَدَّ فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ: يَا زَانِي، قَالَ: يُسْتَجَبْ بِالدُّرَّةِ وَيُعَزَّرُ - وَمِنَّا مَنْ يَقُولُ: إذَا أُقِيمَ الْحَدُّ جُلِدَ مَنْ قَذَفَ - وَمِمَّنْ قَالَ بِجَلْدِهِ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ١٩] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي تَزْنِي أَمَتُهُ «فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ» فَصَحَّ أَنَّ التَّثْرِيبَ عَلَى الزَّانِي حَرَامٌ، وَأَنَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ حَرَامٌ، وَلَا يَحِلُّ - بِلَا خِلَافٍ - أَذَى الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُؤْذَى بِهِ. فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا بِزِنًا كَانَ مِنْهُ، أَوْ بِسَرِقَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، أَوْ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَذَى - لَا عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ الْجَمِيلِ سِرًّا: لَزِمَهُ الْأَدَبُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» فَهَذَا الْحَدِيثُ بَيَانُ مَا قَدَّمْنَا نَصًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ أَبَاحَ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرَاتِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَمَنْ بَكَّتَ آخَرَ بِمَا فَعَلَ عَلَى سَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَمَنْ ذَكَّرَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا - فَفَرْضٌ عَلَى النَّاسِ تَغْيِيرُهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّ عِرْضَ كُلِّ أَحَدٍ حَرَامٌ إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهُ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ، وَسَوَاءٌ عِرْضُ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَذَفَ إنْسَانٌ إنْسَانًا قَدْ زَنَى بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>