للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ بَيِّنُ الْحَوَالَةِ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ عُرِفَ صِدْقُهُ فِي الْقَذْفِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَرَفَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ قَاذِفَهُ صَادِقٌ فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَمُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ ظُلْمٌ بِيَقِينٍ، وَإِبَاحَةُ طَلَبِهِ لَهُ إبَاحَةٌ لِلظُّلْمِ الْمُتَيَقَّنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شُهُودٍ سَمِعُوا الْقَاذِفَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ بِلَا خِلَافٍ فِي أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُؤَدِّي إلَى الظُّلْمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَقَتَلَ أَبُوهُ إنْسَانًا ظُلْمًا، وَأَخَذَ مَالَهُ ظُلْمًا، فَأَتَى وَلَدُ الْمَقْتُولِ الْمَأْخُوذِ مَالُهُ فَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ، وَأَخَذَ مَالَهُ الَّذِي كَانَ لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَلَدِ هَذَا الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ: بِأَنْ يَطْلُبَ الْمُسْتَقِيدَ - لَا بِدَمٍ، وَلَا بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ، وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ بِحَقٍّ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] الْآيَةَ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَامَ بِغَيْرِ الْقِسْطِ. وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>