للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

أَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ التَّارِكِينَ لَهُ إذَا اشْتَهَوْا؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْل أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ نَصِيبًا - فَهَذَا لَيْسَ حُجَّةً فِي إسْقَاطِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَيْسَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَا مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِمَّا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعُمَدِ الثَّلَاثِ.

وَكَوْنُهُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمَغْنَمِ نَصِيبٌ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخَذُ نَصِيبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ لَا خِلَافَ فِيهِ.

وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] .

فَإِذْ نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ سِرْقَتِهِ إيَّاهُ وَبَيْنَ سَرِقَتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا نَصِيبَ لَهُ مَعَهُ، وَهُمْ يَدَّعُونَ الْقِيَاسَ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْحَرَامَ إذَا امْتَزَجَ مَعَ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ حَرَامٌ، كَالْخَمْرِ مَعَ الْمَاءِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يُدَقُّ مَعَ لَحْمِ الْكَبْشِ، وَغَيْرِ هَذَا كَثِيرٌ؟ وَيَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمَاءٍ حَلَالٍ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَرَقَ شَيْئًا بَعْضُهُ لَهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ، أَوْ مِنْ الْخُمُسِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةِ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] .

وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَارِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا سَارِقًا مِنْ الْمَغْنَمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>