للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي صِفَةِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ فِي زَمَانِهِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ فَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا حَصَلَ عَلَى فِعْلِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ - وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ، فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ حَدِّ قَذْفٍ، وَلَا حَدِّ خَمْرٍ، بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ - فَهَذِهِ حُجَّتُهُمْ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُهَا.

فَنَظَرْنَا فِيهَا فَوَجَدْنَاهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ فِي الشَّهَادَةِ، وَيُطْلَبَ بِهِ الشَّاهِدُ، إنَّمَا هُوَ مَا لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ، وَاَلَّذِي إنْ نَقَصَ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةٌ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي إنْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدُ فِيهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ.

وَأَمَّا مَا لَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، وَتَتِمُّ الشَّهَادَةُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ - وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَسَوَاءٌ ذَكَرُوهُ، أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ - وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَا فَرْقَ، فَلَمَّا وَجَبَ هَذَا كَانَ ذِكْرُ اللَّوْنِ فِي الشَّهَادَةِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَانَ أَيْضًا ذِكْرُ الْوَقْتِ فِي الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَفِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْقَذْفِ، وَفِي الْخَمْرِ لَا مَعْنَى لَهُ - وَكَانَ أَيْضًا ذِكْرُ الْمَكَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَاتِّفَاقِهِمْ، كَسُكُوتِهِمْ، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامَّةٌ دُونَ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ؟ وَحَسْبُ الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَجْنَبِيَّةٍ نَعْرِفُهَا، أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِهَا، رَأَيْنَا ذَلِكَ فَقَطْ، وَمَا نُبَالِي قَالُوا: إنَّهَا سَوْدَاءُ، أَوْ بَيْضَاءُ، أَوْ زَرْقَاءُ أَوْ كَحْلَاءُ مُكْرَهَةٌ، أَوْ طَائِعَةٌ، أَمْسِ، أَوْ الْيَوْمِ، أَوْ مُنْذُ سَنَةٍ بِمِصْرَ، أَوْ بِبَغْدَادَ.

وَكَذَلِكَ - لَوْ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ ثَوْبِهِ حِينَئِذٍ، أَوْ لَوْنِ عِمَامَتِهِ.

وَكَذَلِكَ - حَسْبُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سَرَقَ رَأْسًا مِنْ الْبَقَرِ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، وَلَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُولَا: أَقْرَنُ، أَوْ أَعْضَبُ، أَوْ أَبْتَرُ، أَوْ وَافِي الذَّنَبَ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ - وَهَكَذَا فِي الْقَذْفِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَا فَرْقَ.

فَصَحَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامَّةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّهُودِ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ، إذَا اقْتَضَتْ شَهَادَتُهُمْ وُجُودَ الزِّنَا مِنْهُ، أَوْ وُجُودَ السَّرِقَةِ، أَوْ وُجُودَ الْقَذْفِ مِنْهُ، أَوْ وُجُودَ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>