للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَقُولُ لَهُمْ: إنَّنَا قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ الزِّنَى بِاللُّغَةِ، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقَعُ عَلَى فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ - وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ زِنًى وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الزِّنَى، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ كَلَامًا - مَعْنَاهُ: الشِّرْكُ، ثُمَّ قَتْلُ الْمَرْءِ وَلَدَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَهُ، ثُمَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ.

فَصَحَّ أَنَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ رَدَّهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة مَا يَقْبَل فِي فعل قَوْم لوط وأتيان الْبَهَائِم مِنْ الشُّهُود]

٢٣٠٦ -. مَسْأَلَةٌ: الشَّهَادَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ: قَالَ قَوْم مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَيْنِ الذَّنْبَيْنِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الزِّنَى أَصْلًا فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا خَصَّ بِهِ حُكْمَ الزِّنَى.

وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْأَبْشَارَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى إبَاحَةِ بَشَرَةِ فَاعِلِ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَبَشَرَةِ آتِي الْبَهِيمَةِ بِتَعْزِيرٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ، إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُمَا بِأَقَلَّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى هَذَا أَنْ لَا يَحْكُمَ بِقَوَدٍ أَصْلًا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إبَاحَةِ دَمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ؟ فَإِنْ قَالَ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَائِلٌ كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الصَّادِقُ الْقَاطِعُ الْمُتَيَقِّنُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ - أَوَّلُهَا عَنْ آخِرِهَا - وَحَدَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَدَدًا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَهَذَانِ الْحُكْمَانِ، وَغَيْرُهُمَا، قَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِنْفَاذِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ.

فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ قَبُولُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ نَصٌّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>