للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحَّ أَنَّ الْإِسْفَارَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَنْ يَنْقَضِيَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلَا يُصَلِّيَ عَلَى شَكٍّ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَا أَجْرَ فِي غَيْرِ هَذَا، بَلْ مَا فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يُنْكَرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} [النساء: ٤٦] وَلَا خَيْرَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلِّفُ أُمَّتَهُ وَأَصْحَابَهُ الْمَشَقَّةَ فِي تَرْكِ النَّوْمِ أَلَذَّ مَا يَكُونُ، وَخُرُوجُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ -: عَمَلًا فِيهِ مَشَقَّةٌ وَكُلْفَةٌ وَحَطِيطَةٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ وَيَمْنَعُهُمْ الْفَضْلَ وَالْأَجْرَ مَعَ الرَّاحَةِ؛ حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا؛ فَهَذَا ضِدُّ النَّصِيحَةِ، وَعَيْنُ الْغِشِّ وَالْحَرَجِ وَالظُّلْمِ.

وَمَا نَدْرِيهِمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا إلَّا بِرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّهَا صَلَاةٌ حُوِّلَتْ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَهَذَا خَبَرٌ مُسْقِطٌ لِقَوْلِهِمْ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً؛ إذْ قَوْلُهُمْ الَّذِي لَا خِلَافَ عَنْهُمْ فِيهِ: أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْفَجْرِ لَيْسَ صَلَاةً لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ بَلْ هُوَ وَقْتُهَا عِنْدَهُمْ؟ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ بِحَدِيثٍ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ؛ وَيُوهِمُ خَصْمَهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي اخْتِيَارِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ - وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ، وَلِجَمِيعِ السَّلَفِ؛ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالصُّبْحُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ - وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي الصُّبْحِ: التَّغْلِيسُ.

وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ: أَنْ تُصَلَّى فِي الْبَرْدِ وَالْحَرِّ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا، وَأَحَبُّ إلَيْهِ: أَنْ تُصَلَّى الْعَصْرُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ؟ وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلَّا لِلْمُسَافِرِ؛ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُمَدَّ الْمِيلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>