للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ - الَّذِي فَرَّقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ -: عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ وَالْمَحْبُوسُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالْأَعْمَى الَّذِي لَا دَلِيلَ لَهُ -: يُصَلُّونَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَمْكَنَهُمْ، وَيُعِيدُونَ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ تُجْزِئُ عَنْهُمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهَا أَوْ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةِ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَبِاَلَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُصَلُّونَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ فَاسِدٌ، وَلَا يَحِلُّ لِآمِرِهِ الْأَمْرُ بِهِ، وَلَا لِلْمَأْمُورِ بِهِ الِائْتِمَارُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: تُجْزِئُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَبْنُونَ إذَا عَرَفُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ آنِفًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَأَصْبَحْنَا: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَ: أَنَّهُمْ خَطُّوا خُطُوطَهُمْ فِي جِهَاتِ اخْتِلَافِهِمْ؛ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصَبْنَا تِلْكَ الْخُطُوطَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] » فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَا يَصِحَّانِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>