للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَرْوِ حَدِيثَ جَابِرٍ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ -، وَعَاصِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ جَهِلُوا، وَصَلَاةُ الْجَاهِلِ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ النَّاسِي كَذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ النِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ]

٣٥٤ - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ -: إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً: نَوَاهَا بِاسْمِهَا وَإِلَى الْكَعْبَةِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ، مُتَّصِلَةً بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا نَوَى كَذَلِكَ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] . وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. لَوْ جَازَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ - وَلَوْ دَقِيقَةً أَوْ قَدْرَ اللَّحْظَةِ - لَجَازَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ، حَتَّى يَجُوزَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا بَاطِلٌ أَوْ يَحُدُّ الْمُخَالِفُ حَدًّا بِرَأْيِهِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مَعَ التَّكْبِيرِ غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ: الْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ؛ وَالْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ بِالْإِرَادَةِ مُتَقَدِّمٌ لِلْعَمَلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّقَدُّمِ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَاَلَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا فَهُمْ عَلَى عَمًى فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ إلَّا مُخَالِطَةً لِلتَّكْبِيرِ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَأَبِي حَنِيفَةَ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُجِزْ الصَّلَاةَ إلَّا بِنِيَّةٍ لَهَا؛ وَأَجَازَ الْوُضُوءَ لَهَا بِلَا نِيَّةٍ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>