للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ: صَارَ ثِقَةً، وَصَارَ حَدِيثُهُ حُجَّةً؛ وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ: صَارَ مُجَرَّحًا وَ {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣] وَأَمَّا رِوَايَةُ مَكْحُولٍ هَذَا الْخَبَرَ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودٍ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ لَا وَهْنٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا ثِقَةٌ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» إلَّا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ، وَيَبْقَى وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَكَيْفَ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ -: يَعْنِي «إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَدْ أَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ غَيْلَانَ أَخْطَأَ فِي إيرَادِهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ: إنَّهُ خَطَأٌ؛ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ؛ لَكِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ هُوَ مَا أَرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً، كَمَا جَاءَ «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقٌ لَهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَتِمَّ صَلَاةٌ أَوْ لَمْ تَكْمُلْ: فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَصْلًا؛ إذْ بَعْضُ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ؛ فَالْأَمَانَةُ: هِيَ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: ٧٢] . فَنَعَمْ: مَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ فَلَا إيمَانَ لَهُ؛ وَمَنْ لَا شَرِيعَةَ لَهُ فَلَا دِينَ لَهُ - هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظَيْنِ الَّذِي لَا يَحِلُّ صَرْفُهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ أَقْدَمَ آخَرُونَ فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ. وَمَنْ كَذَّبَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَقَدْ كَفَرَ؛ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَّظَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ هُوَ حَقًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>