للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ لَا بِنَصِّهَا وَلَا بِدَلِيلٍ فِيهَا. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ صَلَاتِهِ مُهْلَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُهْلَةُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَمَادِيهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ الْفَرْضِ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَمَا شَاءَ. فَصَحَّ بِنَصِّ الْآيَةِ جَوَازُ التَّطَهُّرِ بِالْغُسْلِ وَبِالْوُضُوءِ وَبِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِنَصِّ الْآيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ وَلَا مَزِيدَ.

وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَإِذَا ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَقَدْ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا يُنْتِجُ وَلَا بُدَّ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

بُرْهَانٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَدَّمَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَتَطَهُّرُ هَذَا الرَّائِحِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِي الرَّائِحِينَ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمَ فِي السَّفَرِ وَالْمُتَوَضِّئَ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَادَّعَوْا أَنَّ الْوُضُوءَ خَرَجَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَقِيَ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ، فَإِذَا هَذَا مُمْكِنٌ فَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>