للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ، يُصَلِّي جَمِيعَهَا مَرْتَبَةً ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فَذًّا، وَحُكْمُهُ - وَلَا بُدَّ - أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الَّتِي نَسِيَ، فَإِنْ قَضَاهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا بَدَأَ بِهَا وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ وَفَاتَ وَقْتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي وَقْتِهَا بَطَلَ كِلَاهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّتِي ذَكَرَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ: بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي حَضَرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، لَكِنَّهُ طَرَدَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إذْ تَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ؟ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا» .

وَإِنَّمَا لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا أَمْرٌ.

وَأَمَّا إنْ فَاتَهُ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ اللَّوَاتِي خَرَجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ النَّاسِي مُتَمَادِيَةُ الْوَقْتِ لِلنَّاسِي أَبَدًا لَا تَفُوتُهُ بَاقِي عُمْرِهِ، وَاَلَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا تَفُوتُهُ بِتَعَمُّدِهِ تَرْكَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِصَلَاتِهَا، كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِاَلَّتِي نَسِيَ وَلَا فَرْقَ.

فَإِذًا حَرَامٌ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ فِي صَلَاةٍ يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى أَوْ يَخْرُجَ وَقْتُ هَذِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؟ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، فِي تَفْرِيقِكُمْ بَيْنِ الْخَمْسِ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا خَالَفْنَاهُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى الَّتِي ذَكَرَ قَبْلَ الْأُخْرَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>