للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية التخلص من الأموال الربوية]

السؤال

شخص له مبلغ كبير في بنك من البنوك بلغت فوائده الربوية (١٠.

٠٠٠) ريال تقريباً، فهل يأخذها ويتصدق بها؟ أو يصرفها في أعمال البر العامة؟ أم يتركها للبنك يتاجرون بها ويربحون بسببها، فيحس بالذنب يلاحقه؟ نرجو توضيح هذه المسألة، وفقكم الله للصواب؟

الجواب

لا شك أن بقاء هذا الشيء الذي يسميه السائل: فائدة، لا شك أن بقاءه في البنك ينمِّي ماله ويزيده؛ لكن إذا كان هذا الرجل لا يحب أن ينمِّي مال البنك فلماذا يعطي البنك ماله؟! إذا كان صادقاً في أن يبتعد عن البنوك وعن فوائدها الربوية فلماذا يضع دراهمه في البنك أصلاً؟! لو أن الناس هجروا البنوك ولم يضعوا أموالهم فيها لأفلست البنوك؛ لأن أموال البنوك وأرباح البنوك من أموال الشعب، تَرِدُ عليهم وينتفعون بها، وهذا الربح الذي يعطونك إياه ليس فائدة مالك أبداً حتى تقول: إني تركتُ فائدة مالي لهم، بدليل أن هذا الربح مُطَّرِد، يزيد بزيادة الدقائق، ليس بزيادة الأيام فحسب، وليس هناك ربح يكون بهذا الوجه.

ثم إن مالك الذي هو مالك ربما يتَّجر بها البنك ويخسر، وربما يتلف، ربما يصيب البنك حريق فتتلف أموال عظيمة من جملتها مالك، ومع هذا يعطونك الفائدة، فالفائدة هذه ليست فائدة مالك، ولكنها رباً صريح يعطيه البنك لمن جعل ماله عنده، وبعبارة أصح: يعطيه البنك لمن أقرضه ماله؛ لأنك أنت إذا أعطيت البنك فقد أقرضتَه المال؛ لأن البنك يضعه في صندوقه وينتفع به، ليس وديعة، وإن كان الناس يسمونها وديعة؛ لكنها كذب، ما هي وديعة، الوديعة أن يبقى مالك بعينه محفوظاً بكيسه، لا يتصرف فيه المودَع أبداً، هذه الوديعة.

أما شيء تعطيه إياه ويضعه في صندوقه ويتصرف فيه فهذا يسميه الفقهاء: قرضاً، وليس وديعة، والمعاني لا تتغير بتغيُّر الأسماء أبداً، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان يشرب أقوام الخمر ويسمونها بغير اسمها، فهل تنتقل عن الخمر إلى الاسم الجديد؟ لا.

هي خمر، هكذا أيضاً هذه التي نسميها ودائع وهي عند البنوك ليست وديعة أبداً، بل هي قرض ينتفع بها البنك.

فنقول لهذا السائل: أولاً: لماذا تضع مالك عند البنك وأنت تشعر بأن في هذا تنمية لأموالهم وزيادة فيها؟! فإذا قلت: إنني مضطر إلى ذلك؛ قلنا: الضرورة لا تبيح لك أخذ الربا أبداً، وبيننا وبينك كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٨-٢٧٩] أي: اتركوا الربا الذي أنتم عقدتموه من قبل، حتى ربا الجاهلية الذي تم العقد عليه قبل الإسلام قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من ربانا: ربا العباس بن عبد المطلب) .

والشرع لا يتغير باستحسان العقول، بعض الناس يقول: لماذا أخلِّي هذا المال الكثير عند البنك يربحُه؟ نقول: ما ربحه، مالك ما ندري هل ربح أم خسِر؟! وهل ربح أضعاف أضعاف الذي أعطاك أو أقل؟! لا ندري، هذا ليس ربحاً، ولا يجوز أن نسميه ربحاً؛ هذا رباً، رباً صريح، ولهذا -كما قلتُ- يزيد بزيادة الساعات والدقائق والأيام، إذا تأخر أضيف إليه زيادة، كلما تأخر، يُحسب بالدقيقة، كيف يقال هذه فائدة؟! أين الفائدة؟! فإذا كان ربك يقول لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:٢٧٨] اتركوا الباقي، كيف تأخذه أنت؟! أليس الله يعلم أنك لو قبضته وتصدقت به أو صرفته في منفعة عامة أليس الله يعلم أن ذلك يكون؟ الجواب: بلى، يعلم هذا، لماذا لم يقل للعباد: خذوه وتصدقوا به أو اصرفوه في المصالح العامة؟! الله عزَّ وجلَّ لا يمكن أن يحرم عباده مما فيه الخير أبداً، وأن يأمرهم بما فيه الشر! لا يأمر إلا بالصالح أو الأصلح، ولولا أن الصالح أو الأصلح في تركه ما قال: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ثم في تركه له فوائد عظيمة؛ خلافاً لما يتراءى لبعض الناس من سطح المسألة وظهرها: من أكبر فوائده: أن الناس إذا علموا أو إذا شعروا بأن هذه التي يسمونها فوائد كثيرة تبلغ ملايين ما هي (١٠.

٠٠٠) كما قال السائل، فإن هذا سيضطَّرهم إلى أن يوجدوا معاملات بديلاً عن هذا، أما إذا استمروا على هذا أو استمرءوه، قال: آخذ، وأصرفه في مصالح عامة، وربما يشح بها أيضاً، ربما تمنعه نفسه، هو أخذها بهذه النية؛ ولكن مع كثرتها إذا صار يقلِّبها يقول: والله! هذه مليون، مليونان، عشرة ملايين، لا، خلِّها وسننظر فيما بعد، يموت وهو ما صرفها في شيء، أو ربما يغلبه الشح وتبقى، ثم هو لو فرضنا أن الرجل أخذها وصرفها فوراً إلى شيء نافع فغيره لا يدري هل أخذها وصرفها أم لا؟! فيقتدي به، يحصل في هذا شر كبير.

فالمهم أن تركها امتثالاً لأمر الله عزَّ وجلَّ وتحسُّباً للفوائد العظيمة التي ستكون في تركها، لا شك أنه متعيِّن.

وما استحسنه بعض الناس من أن تأخذها وتصرفها في المصالح العامة هذا استحسان في مقابلة النص، ولا -والله- أعلم لأحد حجة إذا وقف بين يدي الله يوم القيامة، وقد قال الله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} لا أعلم له حجة أن يقول: يا رب! أخذته لأني أرى أن فيه مصلحة، المصلحة كلها في طاعة الله ورسوله، ليست في شيء سواهما، طاعة الله ورسوله فوق كل شيء.

وثِق أيضاً بأنك إذا تركت هذا طاعة لله ورسوله فستكون العاقبة حميدة لك، وستجد لذة طعم هذا الترك إلى أن تموت، لا سيما إذا كثر المال المتروك.

فعلى كل حال نقول: لا تأخذه، ولا تصرفه في المصالح؛ لأنك إن صرفته في المصالح أو تصدقت به تقرباً إلى الله لم يُقبل منك، وبُؤت بالإثم، كسبت الإثم ولم يقبل منك هذا، وإن أنفقته في المصالح أو تصدقت به تخلصاً منه صرت كمن تلوث بالنجاسة ثم حاول أن يغسلها، ما الفائدة؟ إذا كنتَ تعرف أن هذا لا يحل لك ما الفائدة أنك تأخذ وتصرف، قال: والله! الفائدة أنني أحرمهم إياه؛ لأنه ربما يأخذونه ويضعونه في الكنائس، أو يضعونه في أسلحة يقاتلون بها، نقول: إذا كان هذا الاحتمال وارداً عندك، فأصل إدخالك المال محرم؛ لأنهم سيستعينون به على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>