للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحريم أكل أموال الناس بالباطل]

ولما ذكر الله التحريم في هذا الزمن القصير، أياماً معدودات، وفي أشياء خاصة مما أحل الله للإنسان حرمها الله تعالى لحق نفسه، ذكر التحريم العام، فقال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:١٨٨] بعد آية الصوم قال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٨] هذا حرام مطلقاً، أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وندلي بها إلى الحكام، كيف ندلي بها إلى الحكام؟ يعني: أن الإنسان يجد ما يجب عليه لأخيه من مال، ويقول: أنا وأنت نذهب إلى الحاكم، والحاكم إذا تحاكم إليه الخصمان، وليس للمدعي بينة فماذا يصنع؟ سيقول للمدعى عليه: احلف أنه ليس عندك شيءٌ لفلان، فإذا حلف برئ، يعني برئ بمعنى: أنها انقطعت الخصومة.

ولهذا قال: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة:١٨٨] لأن كثيراً من الناس يأكل أموال الناس بالباطل عن طريق المحاكم؛ يجيء لشخص: ويقول: أقرضني من فضلك عشرة آلاف ريال، وأنا أجيء بها لك إن شاء الله في أقرب فرصة ممكنة ممكن ألا يجيء بها إلا يوم القيامة؛ لكن هو يقول: في أقرب فرصة ممكنة.

حسناً! تذهب لفلان يكتب بيننا، أو شهود.

قال: لا، ما تأمنِّي؟! أنا عندك خائن؟! ثم يخجِّله حتى يعطيه عشرة آلاف ريال بدون شهود.

ثم بعد مدة يأتي يطلبه: فيقول له: اصبر، يأتي الله بالرزق، أنا قلت لك: في أقرب فرصة ممكنة، ولم تحصل الفرصة حتى الآن.

وهكذا، وفي النهاية؟ يقول: ما عندي لك شيء.

اتق الله! كيف ما عندك لي شيء؟! قال: نعم، عندك شهود؟ وإلا أنا وأنت إلى المحكمة.

إذا حضرا عند القاضي ماذا يقول؟ القاضي سيقول للذي قال: إني أقرضتُه عشرة آلاف، سيقول: هات الشهود، إذا ما عندك شهود يحلف خصمك.

الخصم سيحلف أو لا؟ الغالب أنه يحلف؛ لأن نيته سيئة، فيحلف.

فيقال للمدعي: في أمان الله، اخرج، ليس لك شيء.

إذاً: أكل المال بالباطل، مدلياً بذلك إلى الحكام: {لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٨] .

وإن الإنسان -ختاماً لهذا الكلام على هذه الآية أو الآيات- إذا تأمل القرآن وجد فيه معانٍ عظيمة من كل زوج بهيج: في الأخبار، في الأحكام، في البلاغة، في كل شيء؛ لكن يحتاج إلى تأمل، خذ بعض الآيات في وقت فراغك، وصفاء ذهنك، وتأملها تجد فيها العجب العجاب؛ لأن الكلام كلام الله عزَّ وجلَّ، لا تنقضي عجائبه أبداً.

لكن الغفلة الحاصلة منا لا نرى هذه المعاني العظيمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ لأن أكثر من يقرأ القرآن يحب أن ينتهي منه ويختمه، ويجيء إلى آخر رمضان قال: ختمتُ القرآن عشر مرات، أو عشرين مرة، هذا ما هو المقصود، المقصود تدبُّرٌ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص:٢٩] ماذا قال؟ {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] لم يقل: ليقرءوه سرداً بدون تأمل: {لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ} [ص:٢٩] هذا التدبر: تفكُّر في المعاني.

{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:٢٩] وهذا امتثال.

فأولاً: قراءة.

ثم تدبر وتفكُّر في المعاني.

ثم امتثال وتذكُّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>