للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحوال الناس تجاه صلاة التراويح]

السؤال

الذين يحضرون هذا الدرس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: منهم من بقي عند الباب خارج المسجد، ومنهم من دخل وصلى تحية المسجد وجلس ينتظر، ومنهم من دخل معنا في الصلاة، فما حكم هؤلاء بالفضل بينهم؟

الجواب

إذا دخلوا وصلوا مع الإمام فهم على خير، وزيادة في الأجر؛ ولكنهم إذا شاركوا الإمام في الوتر وهم قد أوتروا من قبل، فإنهم يشفعون الوتر، أي: أنهم يقومون فيأتون بركعة؛ لأنه لا وتران في ليلة.

وأما الذين دخلوا وصلوا تحية المسجد وجلسوا فقد أخطئوا بعض الشيء، لأن الذي يدخل المسجد ويجد الناس يصلون مأمور بالدخول معهم، وموافقتهم من أجل أن يحصل الاجتماع، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرجلين الذين جاءا وهو يصلي الفجر، ولم يدخلا في القوم قال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدنا فصليا معنا، فإنها لكما نافلة) .

وأما الذين لم يدخلوا وبقوا في السوق فليس عليهم شيء؛ لأن الصلاة التي يصليها الإمام نافلة، إن شاءوا دخلوا وصلوا، وإن شاءوا لم يدخلوا، فليس عليهم شيء؛ لكن قد فاتهم الأجر، إلا إذا كانوا يتكلمون بصوت يشوِّش على الجماعة، فإنهم في هذا يكونون آثمين؛ لأن التشويش على المصلين يؤدي إلى إفساد العبادة أو نقصها، وهذه جناية، ولهذا لما خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه وهم يصلون في المسجد، وكل واحد منهم يقرأ ويرفع صوته، قال عليه الصلاة والسلام: (إن المصلي يناجي ربه -ليس يناجي أحداً سواه، والله يسمع ولو كان الصوت خفياً- فلا يجهرن بعضُكم على بعض في القراءة) .

وفي حديث آخر: (لا يؤذينَّ بعضُكم بعضاً) فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا إيذاءً، وصدق رسول الله، إذا سَمعتَ إنساناً يَجهر بالقراءة حولك، وأنت تصلي لا شك أنه يؤذيك، ويشوش عليك، وربما تكرر الآية مرتين أو ثلاثاً مع الانشغال.

ومن هنا نأخذ خطأ أولئك الذين يصلون في المنارة، الآن بعض الناس في المنارة يفتحون مكبر الصوت على المنارة وهو يصلي الفريضة أو النافلة، هذا لا شك أنهم مخطئون، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة؛ لأنهم يؤذون من حولهم من أهل البيوت، يمكن بعض الناس يريد يصلي، ومن النساء من تصلي في بيتها، وهذا مكبر الصوت يشوش عليها، ما يتركها تصلي، ربما يوجد أناس في البيوت يحتاجون إلى نوم وراحة، لمرض أو غير مرض، فيشوش عليهم هذا الصوت، ويزعجهم ويقلقهم، وأيضاً في المساجد المتقاربة يحصل التشويش، ولقد حُدِّثْت أن بعض الناس في المساجد القريبة تكون قراءة إمام المسجد الذي هو جار لمسجدهم قراءة جيدة، وإلقاء طيب، وصوت جميل، فينسجمون معه، ويتركون إمامهم، فإذا قال المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] قال هؤلاء: آمين، أحياناً ربما يرفعون معه، هذا من أعظم الجناية على الناس.

ولهذا أنا أرجو منكم إذا سمعتم مسجدنا على هذا أن تنصحوه لله، وتقولوا: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكم بيننا وبينك فهذا كلامٌ لأصحابه، قال: (لا يؤذين بعضُكم بعضاًَ في القراءة) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكم عليه الصلاة والسلام: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] نحن لا نعارضك بعقولنا، حتى تقول: أنا عندي عقل مثلك، نعارضك بنص واضح، وأنت تؤذي، لا أحد يشك في أذيتك.

ثم أي نتيجة تحصل بذلك؟! ما هي النتيجة؟! هل هو يصلي للناس الذين خارج المسجد أم لأهل المسجد؟! لأهل المسجد، فأي نتيجة في هذا؟! إذا كنت محتاجاً إلى استعمال مكبر الصوت من أجل أن ينشِّطك فاستعمله داخلياً فقط، وفيه بركة، على أني أنا أحب أن الإمام لا يجعل شيئاً يتكئ عليه للنشاط في القراءة، بل يجعل النشاط في القراءة أمراً ذاتياً من نفسه، ما يعتمد على مكبر الصوت أو غيره، فيُخَلِّي نفسه ليتعود، لأجل يرفع الصوت، ويحسِّن النغمة بقدر الاستطاعة، حتى لا يعتمد على نغمة صوت مكبر الصوت.

ثم إن فيه ضرراً أيضاً من ناحية ثانية، كما احتج عندي بعض الناس بالإقامة في المنارة، بعض الناس الآن إذا أراد أن يقيم وهم كثير يقيمون في المنارة، يقولون: هذه الإقامة أفسدت علينا أولادنا، إذا قلنا: قم للصلاة، قال: لم يقم بعد، فإذا أقام ذهب يتوضأ وفاته بعض الصلاة أو كل الصلاة، فكانوا يشتكون من هذا، لكني أنا ما أحببت أن أجيب على شكواهم، قلت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) وهذا يدل على أن الإقامة في مسجد الرسول تُسمع من خارج المسجد، فلا أستطيع أن أنهى عن شيء قد تكون السنة دلت على جوازه.

الصلاة أضر وأضر؛ لأن الذي يسمع صوت الإمام وهو يصلي يقول: هذه أول ركعة، والصلاة تُدرك بركعة.

قال له الثاني: لا يا أخي! الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل أن يسلم.

فيقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا أدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام فقد أدرك الصلاة.

فاصبر إذا ما بقي إلا تكبيرة الإحرام قبل السلام دخلنا.

فيفوتون الصلاة عليهم.

إذاً: ففيها ضرر حتى على الناس، أنهم ينتظرون آخر ركعة ويحضرون.

فإذاً: لا فائدة، بل مضرة على من أراد الصلاة في هذا المسجد، ومضرة على المساجد الأخرى، ومضرة على الناس في بيوتهم.

وإذا أردنا أن نقول: من الناحية الاقتصادية إن فيها مضرة أيضاً، وهي: استهلاك الكهرباء، أنت قد تقول: إن هذا مكبر الصوت بسيط، يعني: عن (لمبتين) أو ثلاث؛ لكن إذا كان في البلد مائة مكبر مثلاً كم تكون الكمية؟ كبيرة، تكون الكمية كبيرة، وبيت مال المسلمين محترم.

لكن أنا أقول: لا بأس إذا كان ينشط الإنسان أنه يستعمله في داخل المسجد، ما فيه إن شاء الله بأس، ولا نقدر نتحجر على الناس كثيراً، أما أن يجعله على المنارة فهذا لا شك أنه أذية على مَن حوله من المساجد، وعلى الأفراد في البيوت، وأذية على الناس أيضاً من جهة الذين يريدون أن يصلوا معه، ينتظرون آخر ركعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>