للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأكل والشرب والجماع]

الأكل، والشرب، والجماع.

هذه ثلاثة دليلها في آية واحدة، وهي قوله تبارك وتعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:١٨٧] يعني: النساء: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:١٨٧] يعني: بالجماع، أي: اطلبوا الولد الذي كتبه الله لكم بالجماع: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] الصيام يعني: الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة إلى الليل، والليل يكون بغروب الشمس كما سنذكره إن شاء الله.

إذاً: هذه ثلاثة ذُكرت في آية واحدة.

قوله تعالى: {بَاشِرُوهُنَّ} أي: بذلك الجماع؛ لأنه قال: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ولا ابتغاء للولد إلا بالجماع.

والجماع مفسد للصوم، سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً، فمن جامع وهو صائم فسد صومه؛ لكن إذا كان في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم ترتب عليه خمسة أشياء: الأول: الإثم.

الثاني: فساد الصوم.

الثالث: لزوم الإمساك إلى الغروب.

الرابع: القضاء.

الخامس الكفارة.

خمسة أشياء، إذا وقع الجماع من صائم في نهار رمضان يلزمه الصوم، ترتب عليه هذه الأشياء الخمسة.

الأول: الإثم؛ لأنه انتهك واجباً، بل فريضة من فرائض الإسلام.

والثاني: فساد الصوم؛ لأنه ارتكب محظوراً من محظورات الصوم وهو: الجماع؛ لأن الله قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وهذا لم يتم الصيام إلى الليل.

الثالث: وجوب الإمساك، يعني: يجب أن يمسك وإن كان صومه فاسداً؛ عقوبة له، واحتراماً للزمن؛ لأننا لو لم نلزمه بالإمساك، لكان كل واحد ما يهمه يفعل المفطِّر ويأكل ويشرب؛ لكن نلزمه بالإمساك عقوبة له، واحتراماً للزمن.

الرابع: وجوب القضاء؛ لأنه أفسد عبادته، فلزمه قضاؤها كما لو أحدث المصلي في صلاته، فإنه يلزمه قضاؤها.

والخامس: الكفارة، والكفارة مغَلَّظة، وقد بيَّنَتها، ففي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! هلكتُ! قال: ما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: هل يجد رقبة؟ قال: لا.

هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.

هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا.

... ) .

كم هذه من خصلة؟ ثلاث: عتق رقبة؛ فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً.

(.

فجلس الرجل، ثم جيء بتمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للرجل: خذ هذا فتصدَّق به، فقال: يا رسول الله! أعَلى أفقرَ مِنِّي؟! والله ما بين لابَتَيها أهل بيت أفقر مني! -طمع الرجل- فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال: أطعمه أهلك) .

الشاهد من هذا: وجوب الكفارة.

حسناً! قلنا: إنه تجب الكفارة إذا كان في نهار رمضان، والإنسان ممن يلزمه الصوم، فإن كان لا يلزمه الصوم كرجل مسافر، ولنقل: إنه ذاهب إلى العمرة، وهو صائم هو وأهله في مكة؛ لكن في أثناء النهار جامع زوجته، ماذا يترتب عليه؟ لا يترتب عليه من هذه الأمور الخمسة إلا واحد فقط، هو: القضاء، وإلا فليس عليه إثم، ولا يلزمه الإمساك، ويفسد الصوم لا شك، الصوم يفسد، وليس عليه كفارة.

ولهذا يجب على المفتين إذا سألهم أحدٌ في مكة وقال: إنه جامع أهله، لا يقول: عليك الكفارة، بل يسأله: هل أنت من أهل مكة أو أنت من المسافرين المعتمرين؟ إن قال: أنا من المعتمرين، ماذا يقول؟ يقول: ليس عليك إلا القضاء، الآن كل واشرب بقية النهار، ولا حرج عليك، واقضِ هذا اليوم أنت وأهلك.

إن قال: أنا من أهل مكة فالصوم يلزمه، يقول: عليك خمسة أشياء: حسناً! إذا قُدِّر أن الشخص جامع في نهار رمضان والصوم لازمٌ له، ولم يُنْزِل، هل تلزمه هذه الأحكام الخمسة؟ نعم، يعني: العبرة بالجماع.

ولو أنزل بدون جماع! لا تلزمه الكفارة، ولكن بقية الأحكام الأربعة تلزمه: الإثم، والإمساك، وفساد الصوم، والقضاء؛ لكن الكفارة لا تلزمه؛ لأن الكفارة لا تلزم إلا بالجماع فقط.

حسناً! هذه ثلاثة أشياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>