للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غزوة بدر الكبرى]

في هذا اليوم، وهو يوم بدر خرج النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة يريد عيراً لقريش، يعني: حمولة جاءت من الشام إلى مكة، يريد أن يأخذها عليه الصلاة والسلام؛ لأن قريشاً هي التي اعتدت عليه، فلا يقول قائل: كيف يخرج يأخذ أموال الناس؛ لأن أموال قريش غير محترمة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ حيث إنهم حرب للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، والحربي دمه غير محترم، وماله غير محترم، وهم الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم.

فعلم كبير العير بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وهو أبو سفيان، وكان ذلك اليوم مشركاً، فأرسل إلى أهل مكة يستنجدهم ويستصرخهم يقول: أنقذوا عيركم فخرجوا، ولكنهم والعياذ بالله خرجوا أشَرَاًَ وبطراً ورئاء الناس، وخرجوا بكبرائهم لِمَا أراد الله عزَّ وجلَّ، خرجوا بكبرائهم ورؤسائهم، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الله بينهم وبين رسوله صلى الله عليه وسلم على غير ميعاد.

فالتقوا في بدر، وكانوا ما بين (١٩٠٠) ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (٣٠٠) رجل وبضعة عشر رجلاً فقط، ومع ذلك ليس معهم إلا سبعون بعيراً وفرسان فقط؛ ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم على عدوهم.

قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢] الملائكة تثبت المؤمنين: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:١٢] المؤمنون تثبيت، وهؤلاء رعب، والتثبيت يقتضي الثبات والمقاومة، والرعب يقتضي الخوف والهرب: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال:١٢] يعني: لا تأتوا من أسفل، من فوق: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:١٢] قال العلماء: يعني: كل البدن؛ حتى البنان الذي هو أطراف البدن يُضرب من قبل الملائكة.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:١٣] .

فانتصر المسلمون ولله الحمد، وقتلوا من قريش (٧٠) رجلاً، وأسروا (٧٠) رجلاً، قتلوا كبراءهم؛ أبا جهل، وغيره، حتى إنهم صاروا حول قُلُب بدر جثثاً مضى عليها الزمن، وانصهرت من الشمس، ووَرمت، وجيَّفت، فسُحب منهم (٢٤) رجلاً من أشراف قريش وأُلقوا في القَلِيب.

ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أقام ثلاثة أيام في مكانه؛ لأن هذه من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا ظهر على قوم أقام في عرصتهم ثلاثة أيام، ثم ركب راحلته ووقف على القَلِيب، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! يكلمهم، يقول: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً -الله أكبر! - قالوا: يا رسول الله! كيف تكلمهم وهم جيَف؟! قال: ما أنتم بأسْمَعَ لِمَا أقول منهم) يعني: أنهم يسمعون أكثر منكم، يوبخهم عليه الصلاة والسلام، ويا حسرتهم والعياذ بالله على هذا التوبيخ! ثم رجع النبي عليه الصلاة والسلام غانماً معه الأسرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>