للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقفة مع قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية ... )

قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٤] .

قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ما معنى يطيقونه؟ أي يفعلونه بدون مشقة {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني الذي يستطيع الصوم دون مشقة إذا شاء أن يترك الصوم ويفدي فلا بأس، لكن الصوم خير، ويعني ذلك أن الإنسان مخير بين الصيام وبين الإفطار ويفدي ولا يصوم، ولكن هذا قد يكون مشكلاً لأننا قررنا أنه لا فطر إلا لعذر، مرض أو سفر، كيف يكون للإنسان المطيق له أن يترك الصوم ويفدي، نقول: نعم، يمحو الله ما يشاء ويثبت، كان في أول ما فرض الصيام يخير الإنسان، إن شاء صام، وإن شاء فدى، والدليل على هذا قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فدل ذلك على أن الإنسان يطيق الصوم، فخيره الله بين الفدية وبين الصوم ولكنه قال: إن الصوم خير.

وهذا هو أول ما فرض الصوم كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه أول ما نزل فرض الصوم كان من شاء صام ومن شاء افتدى، ثم نزلت الآية التي بعدها {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] فتحول الحكم إلى المريض الذي لا يرجى زوال مرضه، لأن المريض الذي يرجى زوال مرضه ما فَرْضُه؟ أن يفطر ويقضي، لكن المريض الذي لا يرجى زوال مرضه كمرض السرطان مثلاً، أو غيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها، أو إنسان كبير يتعب لأن الكبر لا يرجى زواله، فهذا يفدي بدلاً عن الصوم؛ لأنه لا يمكن أن يقضي لو أفطر ما قضى، فيفدي وكيف يفدي، يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين كم يطعم؟ تسعة وعشرين مسكيناً.

وإذا كان الشهر ثلاثين، يطعم ثلاثين مسكيناً.

ولا يجوز أن تكرر على مسكين واحد، يعني لو قال: أنا سأطعم هذا الفقير كل يوم، قلنا: لا يجوز، لابد أن يكون المساكين بعدد الأيام، كيف؟ إما أن تصنع طعاماً إذا مضت عشرة أيام، أو تصنع عشاءً فيه اللحم والطعام وتدعوا عشرة فقراء، فإذا مضى عشر أخرى تصنع مثل الطعام الأول وتدعو عشرة فقراء، غيرهم وإذا مضت عشرة أيام وهي الأخيرة تصنع طعاماً وتطعم عشرة مساكين غير الأولين، وإن شئت فملكهم الطعام، يعني خذ رزاً ربع صاع لكل فقير وفرقه على فقراء بعدد الأيام.

ثم قال عز وجل هذا زمن الصوم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥] وقد سبق الكلام على هذا في اللقاء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>