للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقفات مع آيات بينات من سورة المائدة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فإننا في هذه الليلة تَلَونا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:٣] إلى آخر الآية.

وهذا من المُحَرَّم المفصَّل، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:١١٩] .

وإنما كان التفصيل في المحرم؛ لأن ما أحله الله لنا أكثر مما حرمه علينا؛ فجعل المحرمات محصورة مفصَّلة معيَّنة، أي: وما سوى ذلك فهو حلال.

وبناءً على هذه الآية: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} لو شككنا في شيء من الأشياء، مطعوماً كان أم مأكولاً أم ملبوساً أم مستعملاً، لو شككنا فيه هل هو حلال أو هو حرام؟ لقلنا: إنه حلال؛ لأنه لو كان حراماً لفصَّله الله لنا؛ فإن الله تعالى قد فصَّل لنا ما حرَّم علينا.

فلو صاد الإنسان طيراً، وأشكل عليه هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال، هذا هو الأصل.

ولو وجد زاحفاً في الأرض من الحيوانات الكثيرة في الأرض، وأشكل عليه أحلال هو أم حرام؟ فهو حلال؛ حتى يقوم دليل على التحريم؛ لأن الله سبحانه وتعالى فصَّل لنا ما حرم علينا.

ومع ذلك فإن هذه المحرمات المفصَّلة إذا اضطر الإنسان إليها صارت حلالاً، ولهذا قال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:١١٩] فما دعت الضرورة إليه من المحرمات ولو كان من أخبث ما يكون من المحرمات، فإنه يكون حلالاً لنا، ولا يُستثنى من هذا شيء؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .

في آية المائدة -التي نحن بصدد الكلام عليها بما تيسر- يقول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:٣] : فمن الذي حرمها؟ الذي حرمها هو الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه لا يتولى التحليل أو التحريم إلا الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:١١٦] .

ولقوله: {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:٥٩] .

فالذي بيده التحليل والتحريم والإيجاب والإباحة هو: الله عزَّ وجلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>