للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[انتصارات المسلمين في رمضان]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وفتح الله به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وعيوناً عمياً، فبارك الله في دعوته فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الخامس الذي يتم في شهر رمضان عام (١٤١٥هـ) وهو في الليلة السابعة عشرة من هذا الشهر في هذه الليلة، بل في يوم هذه الليلة اليوم السابع عشر مناسبة كبرى للمسلمين ألا وهي غزوة بدر التي انتصر فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه على أبي جهل وأصحابه، انتصر فيها حزب الرحمن على حزب الشيطان.

وسبب هذه الغزوة: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع أن أبا سفيان قدم من الشام بعير لقريش، ومن المعلوم أن المدينة بين الشام ومكة، فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ندب أصحابه أن يخرجوا إلى هذه العير ليأخذوها، وإنما استباح النبي صلى الله عليه وسلم أموال قريش لأن قريشاً كانوا في حرب معه، وهم أيضاً -أعني: قريشاً- استباحوا ديار المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، فكانت أموال قريش حلالاً للمسلمين، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من أجل أن يأخذوا هذه العير.

ولكن أبا سفيان كان رجلاً ذكياً، لما سمع بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خالف عن الطريق وسلك ساحل البحر، وأرسل إلى قريش يخبرهم بما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخذ عيرهم.

فقامت قريش برجالها، وحدها وحديدها، وفخرها، وخيلائها، وبطرها خرجت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تريد غزوه، وهذا من نعمة الله عز وجل أن أغراهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى خرج كبراؤهم وصناديدهم وزعماؤهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فالتقوا في بدر على غير ميعاد، ليس بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موعد ولكنهم التقوا في هذا المكان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم على قلة وذلة، ليس معه إلا سبعون بعيراً فقط وفرسان، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يتعاقبون الإبل والفرسين، التقوا بعدوهم، وكان عدوهم ما بين تسعمائة إلى ألف في أقوى ما يكون من العدة، خرجوا كما قال الله تعالى: {مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ} [الأنفال:٤٧] .

التقوا بالمسلمين فأنزل الله تعالى في تلك الليلة غيثاً ومطراً لتثبيت الأرض للمسلمين، وجعل الأرض زلقاً للكافرين؛ لأن الكافرين كانوا في جهة أخرى فكان زلقاً لهم، أما المسلمون فكانوا في الرمل؛ ولكن الرمل مع المطر اشتد وقوي، حتى ثبت الله أقدام المؤمنين {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران:١٥٤] .

فأنزل الله هذا المطر وألقى فيهم النوم والنعاس، حتى إن الواحد يسقط سيفه من يده، وهذا يدل على قوة طمأنينتهم وثقتهم بنصر الله عز وجل، إذ لم يكن في قلوبهم رعب؛ لأن من في قلبه الرعب لا يمكن أن ينام، ولكن الله تعالى ألقى في قلوبهم السكينة التقوا بهؤلاء الكفار فصارت ولله الحمد الهزيمة.

قتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون، ولم يستشهد من الصحابة إلا بضعة عشر رجلاً، وقتل من صناديدهم وكبرائهم نحو أربعة وعشرين رجلاً، فسحبوا جميعاً والقوا في قليب في بدر خبيثة منتنة رديئة إذلالاً لهم في الحياة، فلما انتهى القتال ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته حتى وقف على البئر وقال: (يا فلان ابن فلان! -يخاطبهم بأسمائهم وأسماء آبائهم- هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً -يخاطبهم وهم أموات- قالوا: يا رسول الله! كيف تخاطب قوماً ماتوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ ولكنهم لا يجيبون) أموات يسمعون توبيخ الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ولكن لا يجيبون.

وهذا من باب العزة بنصر الله عز وجل، فالمؤمن له العزة بدينه، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨] فمن عزة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه وقف على القليب التي فيها صناديد قريش كـ أبي جهل ونحوه يوبخهم.

وأسروا سبعين رجلاً دخلوا بهم المدينة مأسورين، وقتلوا سبعين رجلاً، وسمى الله هذا اليوم يوم الفرقان؛ لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل، وبين أوليائه وأعدائه ومن ذلك اليوم عز الإسلام، وقوي، وخافه المشركون، وبرز النفاق في المدينة -النفاق يعني: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- من السنة الثانية من الهجرة بدأ النفاق الذي يظهر فيه صاحبه بأنه مؤمن وهو كافر؛ لأن الإسلام صار له هيبة، هذه مناسبة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان.

وفي رمضان أيضاً مناسبة أخرى وهي غزوة الفتح، ومن المعلوم أيها الإخوة أن انتصار المسلمين في ذاك الزمن انتصار لنا اليوم، لأننا أمة واحدة، فنصرهم نصر لنا، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا شكر نعمته، ونسأله أن ينصر إخواننا المجاهدين اليوم في الشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين؛ لأن أعداء الإسلام تكالبوا على الإسلام اليوم، حتى صار زعماء منهم يصرحون ويقولون: إننا قضينا على عدونا الشيوعي؛ ولكن بقي عدونا الأصولي، ويعنون بالأصولي: المسلمين.

وهذا لا شك أنه يرعبهم أكثر مما يرعبهم الشيوعيون؛ لأنهم ليسوا على دين، والمسلمون على دين منصور؛ ولذلك كانوا يخافونه فتسلطوا الآن، وقويت سلطتهم والعياذ بالله، وعدوانهم على المسلمين من كل ناحية، ولكن إن صدقنا الله صدقنا وعده، وإن نصرنا الله نصرنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧] فنسأل الله تعالى أن ينصرنا بنصره، وأن يعزنا بدينه وألا يذلنا بمعاصينا إنه على كل شيء قدير.

<<  <  ج: ص:  >  >>