للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدث القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي في كتابه قال: حدثني الصولي قال: حدثني محمد بن القاسم بن خلاد قال: رفع بعض العمال إلى المعتصم، وكان قد تولى من الخراج والحرب ما كان يتولاه خالد بن يزيد) بن مزيد (وذلك أن خالد بن يزيد اقتطع الأموال واحتجز بعضها، فغضب المعتصم، وحلف ليأخذن أموال خالد وليعاقبنه وينفيه، فلجأ خالد إلى أحمد بن أبي داود القاضي، فاحتال حتى جمع بينه وبين خصمه فلم يقم على خالد حجة، فعرف ابن أبي داود القاضي المعتصم بذلك، وشفع إليه في خالد فلم يشفعه وأحضر خالداً وأحضر له آلات العقوبة، وكان قبل ذلك قبض أمواله وضياعه، وصرفه عن العمل. وحضر ابن أبي داود المجلس فجلس دون مجلسه الذي كان يجلس فيه، فقال له المعتصم: ارتفع إلى مكانك، فقال: يا أمير المؤمنين ما أستحق إلا دون هذا المجلس، قال: وكيف؟ قال الناس يزعمون أنه ليس محلي محل من يشفع في رجل قذف بما ليس فيه، ولم يصح عليه منه شيء فلم يشفع. قال: فارتفع إلى موضعك قال: مشفعاً أو غير مشفع قال: بل مشفعاً قد وهبت لك خالداً ورضيت عنه. قال: إن الناس لا يعلمون بهذا قال: قد رددت إليه جميع ما قبض منه من ضياعه وأمواله قال فامر بفك قيوده واخلع عليه، ففعل ذلك قال: يا أمير المؤمنين قد استحق هو أصحابه رزق ستة أشهر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجعلها صلة له. قال: لتحمل معه فخرج خالد وعليه الخلع والمال بين يديه والناس ينظرون الإيقاع به فلما رأوه على تلك الحال سروا وصاح به رجل: نحمد الله على خلاصك يا سيد العرب. فقال: مه بل سيد العرب والله ابن أبي داود الذي طوقني هذه المكرمة التي لا تنفك من عنقي أبداً.

[حكاية]

قيل كان فتى من ذوي النعم قعد به زمانه وكانت له جارية حسناء محسنة في الغناء، فضاق بهما الخناق، واشتدت بهما الحال في عدم ما يقتاتان به. فقال لها: قد ترين ما قد صرنا إليه من هذه الحالة السيئة ووالله لموتي وأنت معي أهون علي مما أذكره لك ويسؤني أن أراك على غير الحال التي تسرني " فيك "، ونهاية أمرنا أن تحل بأحدنا منيته فيقتل الآخر نفسه عليه. فإن رأيت أن أبيعك لمن يحسن إليك، فيغسل عنك ما أنت فيه وأتفرج أنا بما " لعله " يصير إلي من الثمن، ولعلك تحصلين عند من تتوصلين إلى نفعي معه. فقالت: والله لموتي معك على هذي الحال، آثر عندي من انتقالي إلى غيرك، ولو كان ملكاً، ولكن اصنع ما بدا لك. قال: فخرج وعرضها للبيع فأشار عليه أحد أصدقائه ممن له رأي بحملها إلى عمر بن عبيد الله بن معمر، وكان أميراً بالعراق. قال: فحملها إليه فلما عرضت عليه استحسنها، وقال لمولاها: كم كان شراؤها عليك؟ قال: مائة ألف درهم، وقد أنفقت عليها مائة ألف دينار. قال: أما ما أنفقت عليها فغير محتسب لك به لأنك أنفقتها في لذاتك. وأما ثمنها فقد أمرنا لك بمائة ألف درهم وعشرة أسفاط ثياب وعشرة أروس من الخيل، وعشرة من الرقيق، أرضيت؟ قال: نعم أرضى الله الأمير. وأمر بالمال فأحضر وأمر قهرمانته بإدخال الجارية إلى دار الحرم، فأمسكت بجانب الستر وبكت وقالت:

هنيئاً لك المال الذي قد أفدته ... ولم يبق في كفي غير التحسر

أقول لنفسي وهي في كرباتها ... أقلي فقد بان الحبيب أو أكثري

إذا لم يكن للأمر عندك حيلة ... ولم تجدي بدأً من الصبر فاصبري

فأجابها مولاها يقول:

ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري

أروج بهم من فراقك موجع ... أناجي به قلباً قليل التصبر

عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

فقال ابن معمر: قد شئت فخذها بارك الله بك فيها، وفيما صار مني إليك، فأخذها وأخذ المال والخيل والرقيق والثياب، وعاد وقد أثرى وحسنت حاله.

حكاية

<<  <   >  >>