للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووافانا المهدي فسألنا عن الخبر فحدثته حديثها وما لقيتها به فوالله ما انتظر أن أعرفه جوابها، حتى وثب مغضباً في وجهي وقال: يا زينب الله الله! هذا مقدار شكرك لله على نعمته، وقد أمكنك من مثل هذه المرأة على هذه الحالة التي هي عليها؟ فوالله لولا محلك من قلبي لحلفت ألا أكلمك أبداً: فقلت قد اعتذرت إليها فرضيت، ثم قصصت عليه قصتها كلها، وما فعلت الخيزران بها، فقال لخادم كان معه: احمل إليها مائة بدرة، وادخل إليها وأبلغها مني السلام وقل لها: والله إني ما سررت منذ دهري سريري اليوم بمكانك، وأنا أخوك ومن يوجب حقك، فلا تدعي حاجة إلا سألتها. ولولا أني أكره أن احشمك لعبرت إليك مسلماً عليك وقاضياً لحقك، فمضى الخادم بالمال والرسالة فأقبلت إلينا معه، فسلمت على المهدي وشكرت له فعله، وأثنت على الخيزران وقالت: ما علي من أمير المؤمنين من حشمة، أنا في عداد حرمه، وقعدت ساعة ثم قامت إلى منزلها، فخلفتها عند الخيزران كأنها لم تزل في ذلك القصر. فهذا الحديث خير لك من كتاب وقد وهبت لك كتاباً فانصرفت من عندها فأتبعتها بما مليء به داري.

[حكاية]

قال أبو الفرج الأصبهاني: حدثني الحسن بن علي قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا اسحق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون وما يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين رضي الله عنهما فقدوا ما كانوا يؤتون به من الليل فانكشف حالهم.

[حكاية]

ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه عبر طائفاً بالمدينة أيام خلافته فإذا بجارية تبكي وتقول:

وهويته من قبل قطع تمائمي ... متمايساً مثل القضيب الناعم

وكأن نور البدر يشبه وجهه ... يمشي فيصعد في ذؤابة هاشم

فقرع عليها الباب فخرجت إليه فقال لها: احرة أنت أم أمة؟ فقالت بل أمة يا صاحب رسول الله. فقال لها: من هويت؟ فبكت وقالت: بحق صاحب القبر ألا انصرفت عني. فقال: لست برائم عن مكاني حتى تعلميني فقالت:

وأنا التي قدح الفراق بقلبها ... فبكت لحب محمد بن القاسم

فصار أبو بكر رضي الله عنه إلى المسجد وبعث إلى مولاها فاشتراها منه وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: هؤلاء فتن الرجال، لكم والله أذهبن من كريم، وعطب عليهن من سليم.

[حكاية]

حدث أبو الحسن علي بن صالح البلخي بمصر قال أخبرني بعض " عمال " شيوخنا عن شيبة بن محمد الدمشقي قال: كان في أيام سليمان بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم رجل يقال له: خزيمة بن بشر، من بني أسد بالرقة؛ وكانت له مروءة ونعمة حسنة وفضل وبر بالإخوان، فلم يزل على تلك الحال حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يتفضل عليهم فواسوه حيناً ثم ملوه، فلما لاح هـ تغيرهم أتى امرأته وكانت ابنة عمه فقال لها: يا بنت عم! قد رأيت من أخوتي تغيراً وقد عزمت على لزوم بيتي إلى يأتيني الموت. وأغلق بابه عليه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد وبقي حائراً في أمره.

وكان عكرمة الفياض الربعي والياً على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار من سوء الحال إلى أمر لا يوصف، فأغلق بابه ولزم بيته، فقال الفياض، وإنما سمي بذلك لأجل كرمه: فما وجد خزيمة بن بشر مواسياً ولا مكافياً؟ قالوا: لا. فامسك، ثم لما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس " واحد "، ثم أمر بإسراج دابته وخرج سراً من أهله فركب ومعه غلام من غلمانه يحمل المال، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة فأخذ الكيس من الغلام ثم أبعده " عنه "، وتقدم إلى الباب فدقه بنفسه فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس وقال له: أصلح بهذا شأنك، فتناوله خزيمة فرآه ثقيلاً فوضعه، ثم أمسك لجام الدابة، وقال له: من أنت؟ جعلت فداك. قال: ما جئتك هذه الساعة وأنا أريد أن تعرفني. قال خزيمة: فما أقبل أو تخبرني من أنت. قال: أنا جابر عثرات الكرام قال: زدني قال: لا. ثم مضى ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج والخير، ولو كانت فلوساً فهي كثيرة. قومي فأسرجي. قالت: لا سبيل إلى السراج. فبات يلمسها فيجد خشونة الدنانير ولا يصدق.

<<  <   >  >>