للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوبة وشروطها]

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] .

يأمر سبحانه عباده المؤمنين بأن يتوبوا إليه من جميع ذنوبهم، ويخبر سبحانه أن في ذلك الفلاح، أي: الظفر والفوز والسعادة، وإذا كان المؤمنون يؤمرون بالتوبة فكيف بحال غيرهم؟ إذا كان المؤمن يؤمر بالتوبة وهو محل الوعد بالجنة؛ لأنه لا يخلو من تقصير وتفريط فكيف بحال غيره من الناس؟ فالتوبة لازمة لجميع المكلفين من الكفرة والمسلمين جميعاً، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام وندمه على ما مضى منه، وعزمه على ألا يعود في ذلك، وهذه أعظم وأكبر نعمة، أن يتوب الكافر من كفره إلى الإسلام، وأن يلتزمه خوفاً من الله، وتعظيماً له، وإخلاصاً له، ومحبة له، وتوحيداً له، واتباعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تهدم ما قبلها) .

ومن أحسن في الإسلام غفر له ما مضى من ذنوبه وسيئاته، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والعاقل يتذكر دائماً أنه لا يعلم ما يعرض له، ولا يعرف متى يهجم عليه الأجل، فلذلك يسارع إلى التوبة ويلازمها في جميع حالاته، وفي جميع زمانه، يخشى أن يلقى الله وهو غير تائب؛ فلهذا يبادر بالتوبة في جميع الأحوال، ولهذا قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] ، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:٨] الآية، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥-١٣٦] فالتائب يقلع عن الذنوب ولا يصر عليها، فليبادر بالتوبة والإقلاع والندم والعزم الصادق ألا يعود، هكذا التائب.

والتوبة الصادقة النصوح تشمل أموراً: ١- الندم على الماضي من السيئات.

٢- والإقلاع منها وتركها خوفاً من الله وتعظيماً له.

٣- العزم الصادق ألا يعود إليها، لا يصر؛ بل يعزم بقلبه عزماً صادقاً أنه لا يعود إليها، هذه هي التوبة الصادقة النصوح.

٤- رد المظالم، إذا كان عنده مظالم لابد من ردها إلى أهلها، أو استحلالهم منها حتى تتم توبته من سرقة، أو خيانة، أو غصب، أو ضرب، أو سفك دماء، أو غير هذا، لا بد من رد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها، وإلا ستبقى عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والخلاصة أن على المؤمن أينما كان أن يلزم التوبة، ويحاسب نفسه، وأن يندم على سيئات أعماله، وأن يقلع عنها ويتركها ويحذرها خوفاً من الله وتعظيماً له، وأن يعزم عزماً صادقاً ألا يرجع إليها، وبذلك تغفر ذنوبه، وتحط سيئاته، ويقبل الله توبته، إلا أن تكون هناك مظالم في مال أو عرض أو نفس فلا بد من ردها إلى أهلها أو استحلالهم منها.

فعليك أيها الأخ في الله عليك أيها المؤمن! أن تتذكر أنك على خطر، وأنك متى أصبحت لا تدري هل تمسي، ومتى أمسيت لا تدري هل تصبح، فالزم التوبة دائماً ولا تمهل ولا تؤجل ولا تسوف، بل بادر بالتوبة دائماً؛ لعل الله أن يتوب عليك.

وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>