للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهل العلم والدين ورثة رسول رب العالمين]

يقول شيخ الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم " {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١] ، العالم بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، الذي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] .

الذي {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:٦٨] .

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٧٠] .

الذي دلَّ على وحدانيته في إلَهِيَّته أجناسُ الآيات، وأبانَ علمُه لخليقتِه ما فيها من إحكام المخلوقات، وأظهر قدرتَه على بريته ما أبدعه من أصناف المخلوقات، وأرشد إلى فعله بسنته تنوُّع الأحوال المختلفات، وأهدى برحمته لعباده نعمَه التي لا يحصيها إلا رب السماوات، وأعلم بحكمته البالغة دلائلُ حمده وثنائه الذي يستحقه من جميع الحالات، لا يحصي العباد ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه بما له من الأسماء والصفات، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يماثله فيها شيءٌ من الموجودات، وهو القدوس السلام المتنزه أن يماثله شيءٌ في نعوت الكمال أو يلحقه شيء من الآفات.

فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:٢] .

أرسل الرسل {مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:١٦٥] ، مبشرين لمن أطاعهم بغاية المراد من كل ما تحبه النفوس وتراه نعيماً، ومنذرين لمن عصاهم باللعن والإبعاد وأن يعذَّبوا عذاباً أليماً.

وأمرهم بدعاء الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له، مخلصين له الدين، ولو كره المشركون، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥١-٥٢] .

وجعل لكلٍ منهم شرعة ومنهاجاً؛ ليستقيموا إليه ولا يبغوا عنه اعوجاجاً، وختمهم بمحمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أفضل الأولين والآخرين، وصفوة رب العالمين، الشاهد البشير النذير، الهادي السراج المنير، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم:١-٢] .

بعثه بأفضل المناهج والشرع، وأحبط به أصناف الكفر والبدع، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء، وجعله مهيمناً على ما بين يديه من كتب السماء.

وجعل أمته {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، يوفُون سبعين أمة، هم خيرها وأكرمها على الله هو شهيد عليهم، وهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة، بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة، وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة، إذْ لم يبقَ بعده نبي يبين ما بُدِّل من الرسالة، وأكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وأظهره على الدين كله، إظهاراً بالنصرة والتمكين، وإظهاراً بالحجة والتبيين.

وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء، يقومون مقامهم في تبليغ ما أُنزل من الكتاب، وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خالفهم ولا مَن خذلهم إلى حين الحساب.

وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، فلا يقع في كتابه من التحريف والتبديل، كما وقع في أصحاب التوراة والإنجيل.

وخصَّهم بالرواية والإسناد، الذي يُمَيِّز به بين الصدق والكذب جهابذة النُّقَّاد، وجعل هذا الميراث يحمله مِن كل خلفٍ عدوله؛ أهل العلم والدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ لتدوم بهم النعمة على الأمة، ويظهر بهم النور من الظلمة، ويحيا بهم دين الله الذي بعث به رسوله، وبيَّن الله به للناس سبيله، فأفضلُ الخلق أتبعُهم لهذا النبي الكريم، المنعوت في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله المرسلين، ومالك يوم الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس أجمعين، أرسله والناس من الكفر والجهل والضلال في أقبح خيبة وأسوأ حال، فلم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في تبليغ الدين، وهدي العالمين، وجهاد الكفار والمنافقين، حتى طلعت شمس الإيمان، وأدبر ليل البهتان، وعزَّ جند الرحمان، وذلَّ حزب الشيطان، وظهر نور الفرقان، واشتهرت تلاوة القرآن، وأُعلن بدعوة الأذان، واستنار بنور الله أهل البوادي والبلدان، وقامت حجة الله على الإنس والجان، لَمَّا قام المستجيب من المعد بن عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، صلاةً يرضى بها الملك الديان، وسلَّم تسلماً مقروناً بالرضوان.