للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأثير الظواهر في البواطن]

إن هذا اللباس ليس كما يتوهم الكثير من الناس قاصري العلم والنظر، أنه لا تأثير له في أخلاق الناس، ولا تأثير له في طباعهم بل وفي قلوبهم ليس الأمر كذلك، بل الظواهر لها تأثير في البواطن، وهذا ثابت في نصوص شرعية كثيرة جداً، كنت ألممت بشيءٍ منها في دروس مضت.

وحسبي أن أذكركم الآن بقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث النعمان الذي يقول في آخره: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فلباس الكفار هذا ليس صلاحاً إنما هو فساد، وهذا اللباس يؤثر في قلب لابسه، ويطبعه بطابع أولئك الناس الذين لبس لباسهم، وهنا أريد أن أستغلها فرصة قبل أن أتوسع في الموضوع أكثر، أريد أن ألفت النظر الآن كيف أن المسلمين شخصيتهم في زوال مستمر، في اضمحلال وانحلال، لقد ظهرت -الآن- ظاهرة غريبة جداً عمت كثيراً من الشباب: وهي أنهم يلبسون أقمشة بيضاء، إما أن تكون مطبوعة عليها هنا في الصدر، ما يشبه الهلال أو غيرها مما يكتب بالأحرف الإفرنجية، وكثير منها مصور عليها صور بشر، وبعض هذه الصور تمثل بعض الأبطال -زعموا- من الملاكمين أو المصارعين أو ما شابه ذلك، وشاهدت قريباً في بعض المساجد وأنا قائم أصلي بين يدي شاب، وهذا الشاب أعرفه يصلي ويحافظ على الصلاة، رأيت في قميصه صوراً من الأمام والخلف والجانبين، هكذا الثوب طبع بهذا الطابع، وما هذه الصور؟ صور رجل يسبح، وهذا السابح اليوم صار من الطبيعي أن يكون لباسه هو التبّان باللغة العربية، وهو (الشورت) هو الذي لا يستر إلا السوأتين بل لا يسترهما، لأنه يجسمهما، فأنا أصلي وبين يدي هذه الصورة! هذه غفلة شديدة جداً من هؤلاء المسلمين الجهلة بإسلامهم، وهذا معناه أن المسلمين كلما مضى عليهم عهد وزمن غير قصير، كلما ابتعدوا عن الإسلام رويداً رويداً، فأين الاعتزاز بالعزة الإسلامية والشخصية المسلمة، والمحافظة على عاداتنا التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا؟! إنسان يلبس قميصاً فيه زنجي مصور، فما حلاوة هذه الصورة؟! أصبح كل شيء غريباً علينا نتأسى ونقتدي به، وهذا معناه أن المسلمين لم يعودوا يعرفون قيمة التشبه بالكفار، لذلك كان من رحمة ربنا عز وجل بنا أن أرسل إلينا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بشرع وصفه ربنا في قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣] وزاد ذلك بياناً قوله عليه السلام: (ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يباعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه) ومما نهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم محافظةً على ديننا وعلى شخصيتنا المسلمة، ألا نتشبه بالكفار مطلق التشبه، لكني ضربت لكم مثلاً لا يمكن أن يشك فيه إنسان متجرد عن اتباع الهوى، أن وضع القبعة هذه على الرأس هو إضاعة لهذا المسلم وشخصيته، وانخلاع منه من هذا المجتمع الإسلامي، إذا كان بقي لهذا المجتمع ما يستحق أن يسمى بأنه مجتمع إسلامي.