للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضابط تقديم فهم الراوي للحديث على غيره]

السؤال

إذا كان فهم الراوي للحديث الذي يرويه حسب القاعدة القائلة: أنه يُقَدَّم على فهم غيره، فهل هذه تكون مطردة دائماً، أما أن لها ضوابط تقيدها؟

الجواب

لا يوجد شيءٌ مُطَّرِد، هذا نادر جداً، بل لا بد من التقييد، مثلاً: إذا كان فهمه يخالف نصاً، أو يخالف رواية أخرى يرويها ثقة؛ فحينئذ لا يُعْتَد بهذا الفهم، وإذا كان رأياً انفرد به، وهناك اجتهادات قائمة على استنباطات سليمة عند العالِم من الكتاب والسنة، فليس مُكَلَّفاً -والحالة هذه- بأن يتَبَنَّى رأي الراوي.

لكن أين ثمرة تَبَنِّي رأي الراوي، وأن الراوي أدرى بمَرْوِيِّه من غيره؟! هذه تكون في حالة ما إذا فهم الراوي من الحديث كذا، وأنا أفهم كذا، فلا يقال: أولئك رجال ونحن رجال، لا.

فهذا الفهم الخاص هنا ليس له علاقة، أما إذا جاء الراوي بدليل من الشرع يؤيد رأيه الخاص؛ فحينئذ ليس مكلفاً أن يَتَبَنَّى رأي ذاك الراوي.

انظر -مثلاً- المثال الذي نحن نذكره بمناسبة الكلام على بيع التقسيط، هناك حديث في مسند الإمام أحمد من رواية سماك بن حرب، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) .

الآن توجد أقوال كثيرة في تفسير بيعتين في بيعة، منها: قول سماك هذا الراوي للحديث، لما قيل له: [ما بيعتين في بيعة؟ قال: هو أن تقول: أبيعك هذا بكذا نقداً، وبكذا وكذا نسيئةً] ، هذا الرأي لا مبرر ولا مسوغ لنا مطلقاً أن نعرض عنه؛ لأنه: أولاً: داخل في القاعدة.

ثانياً: لا يوجد ما ينقضه.

ثالثاً: بل يوجد ما يؤيده، وهو حديث أبي هريرة باللفظ الآخر: (من باع بيعتين في بيعة فله أَوْكَسُهُما أو رباً) ، فهذا الوَكس لا يظهر معناه إلا في هذه الصورة التي فسرها سماك بن حرب.