للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقصود بعدالة الراوي]

السؤال

كما تعرفون -حفظكم الله- أن الحفاظ أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالةَ الراوي، وكثير من الحفاظ ومنهم الحافظ ابن حجر عرَّف العدالة فقال: هي مَلَكَة تحمل الرواي على التقوى وملازمة المروءة، وفسَّر -أيضاً- التقوى في نفس الكتاب؛ كتاب النخبة فقال: هي اجتناب الأعمال السيئة من بدعة، أو فسق، أو شرك.

هنا طرأ عندي إشكال: ففي الصحيحين وُجِد رجال من المبتدعة؛ كأن يكون الرجل خارجياً، أو رافضياً، أو مرجئياً، فما توافقا مع كتاب النخبة، فهنا حصل تناقض بين تعريف الحافظ ابن حجر لرسم العدالة، وبين المثال الواقعي في الصحيحين، فما هو التوفيق بين تعريفي ابن حجر وبين ما وجد في الصحيحين -أفتنا بارك الله فيك-؟

الجواب

أنا أظن أن الإشكال جاء من جهة الوقوف عند بعض الألفاظ في تعريف العدالة دون شرحٍ لها من واضعها -أي: واضع هذه الألفاظ- في مكان آخر، فمثلاً: البدعة عند الحافظ وعند غيره من حيث تعلقها بالمبتدع، أن هذا المبتدع له حالة من حالتين: - إما أن يكون داعية لها.

- أو ليس داعية لها.

فإذا كان غير داعٍ لها فلا يكون منافياً لتعريفه الذي ذكرتَه آنفاً، من أنه يعني بالبدعة أي: التي يُدْعَى لها مِن قِبَل العدل، واضح.

السائل: أي: كان عليه أن يقيِّد البدعة؟ الشيخ: نعم؛ لكن المشكلة ماذا يصير؟ عندما يضع شخصٌ تعريفاً، فإذا أراد أن يقيد كل عبارة فإن هذا التقييد يصير محاضرة، فهو يضطر إلى أن يختصر ما استطاع، ويشرح فيما بعد في أماكن أخرى.

أنا أقول هذا باعتبار أن هناك قولين بالنسبة للمبتدع، إما أن يكون داعية، أو ألا يكون داعية، فإذا كان غير داعية فهو عدل، فإذا انضم إليه الصدق والحفظ فهو حجة.

السائل: قرأت قديماً؛ لكن لا أحفظ اسم الراوي: أنه وُجد في الصحيحين مَن هو داعية إلى بدعته! الشيخ: أنا آتيك بالكلام -الله يهديك-! أنا أتكلم عمَّا وُجِد في المصطلح كعلمٍ يتبناه جماهير العلماء، أنهم يقسمون البدعة إلى قسمين، وقد عرفتَها! لكن هناك رأي آخر، وابن حجر نفسه يتبناه، وهو: العبرة في الرواية أول شيء: الإسلام والعدالة، ثم الحفظ والضبط، فإذا كان هناك رجل مبتدع، وداعية إلى بدعته؛ لكن من الثابت عندنا أنه من حيث إسلامه فهو مسلم، ثم من حيث ضبطه فهو ضابط، ومن حيث صدقه فهو صادق، فهو حجة ولو كان مبتدعاً داعيةً.

وعلى هذا يُحْمَل صنيع الشيخين - البخاري ومسلم - إذا رويا عن مبتدع، فمثلاً الإمام البخاري، من أشهر الأمثلة أنه يروي عن عمران بن حطان، وهو الذي شارك في قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فإذاً: نرجع ونفصل تفصيلاً آخر ونقول: في المسألة قولان: أحدهما: أن المبتدع لا يُحْتَجُّ بحديثه ولو كان ثقة ضابطاً صدوقاً.

إلخ.

وقولٍ ثانٍ: أنه تُقْبل روايتُه ما دام أنه صادق، ويقْرُب من ذلك: الخوارج؛ لأن الخوارج رغم أنهم يعتقدون بأن مرتكب الكبيرة كافر، إلا أنهم أبعد الناس عن الكذب! وهنا تفصيل: يقول بعض العلماء: هذا الوصف يصدق في الخوارج القُدامى، أما فيما بعد فقد صاروا يكذبون دعماً لمذهبهم.

فالقصد في الرواية هو شيئان: - الإسلام.

- ثم الصدق، مع الحفظ.

السائل: هل ثَمَّ فارق بين التوثيق والتعديل؟ الجواب: نعم.

السائل: ما هو؟ الشيخ: التعديل هو: الذي تُقْبَل شهادته باعتباره عدلاً؛ لكن مجرد العدالة لا تكفي في الرواية إلا أن يقترن معه الضبط؛ أن يكون معروفاً بالضبط والحفظ.

السائل: وهو المقصود بالتوثيق؟ الشيخ: نعم.

أي أن هناك عموماً وخصوصاً بين العدل في الحديث الذي يشترط فيه أن يكون حافظاً ضابطاً، وبين العدل في الشهادة الذي يكفي فيه ألا يكون فاسقاً.