للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رأي الشيخ الألباني في سلمان العودة وسيد قطب]

السؤال

يا شيخ! ماذا تقولون فيمن خالف أئمة الإسلام في أمر من الأمور التي قد أجمعوا عليها، وقامت عليه الحجة ولم يرجع، بل زاد على ذلك أنه يمدح بعض الصوفية والمفوضة، ويمدح من يقول بقول جهم في القرآن، ويطعن في الصحابة بل وفي الأنبياء، ويسميهم أئمة ومجددين، بل ويثني على بعض الزنادقة الذين أباحوا الردة، وطعنوا في العقيدة وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أهل الحديث، ويقول عنهم: فيهم خير كثير، وسمى زيغهم وضلالهم اجتهاداً، فقال: وإن كنا نتحفظ عن بعض اجتهاداتهم.

فهل يكون هذا مبتدعاً؟ وهل نعينه ونقول: فلان مبتدع، تحذيراً للأمة ونصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟ الشيخ: ذكر هذا في كتاب؟ السائل: في أماكن متفرقة.

الشيخ: ليس في كتاب؟ السائل: أيضاً في بعض الكتب.

الشيخ: حسناً منها؟ السائل: هو الذي مدح هذا الشيخ: لا تحد لا تحد.

السائل: حسناً.

الرجل الذي قال هذا في بعض الكتب، مثلاً في العدالة الاجتماعية، أو في ظلال القرآن، لكن الذي يمدحه وقال عنه: مجتهد، وكذا في شريط أو في بعض الأشرطة، وأيضاً شخص آخر حاله كحال هذا له كتاب اسمه الخلافة والملك، وله كتب أخرى تكلم فيها عن بعض الأنبياء، عن نوح -مثلاً- فقال عنه لما قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:٤٥] قال: غلبت عليه عاطفة الجاهلية، وعن يوسف لما قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:٥٥] قال: هذا دكتاتوري يطلب منصب الدكتاتورية كـ (موسوليني) في زماننا.

الشيخ: من هذا الذي يقول هذا؟ السائل: في كتاب الخلافة والملك للمودودي.

الشيخ: المودودي.

ومن الذي يمدح هذا الكلام؟ السائل: أحد الدعاة مدحهم.

الشيخ: لماذا لا تسميه؟ هل تسميته غيبة؟ السائل: لا.

إن شاء الله، هو الشيخ سلمان مدحه.

الشيخ: أنا أقول لك: مدح الكلام أم المتكلم؟ السائل: مدحهم في أشرطة.

الشيخ: اسمع! فهمت سؤالي.

السائل: حسناً أعد علي السؤال.

مداخلة: يقول الشيخ: أمدح هذا الكلام، أم مدح صاحب هذا الكلام؟ السائل: لا.

بل صاحب هذا الكلام، ما مدح الكلام.

الشيخ: إذاً مدح صاحب الكلام! قد أمدحه أنا؛ فهل معنى ذلك أنني أصوب كل ما قال؟ السائل: لا يعني هذا.

الشيخ: إذاً ماذا تعني أنت بهذا السؤال؟ السائل: بلغني أن في بعض الأشرطة لبعض المشائخ أنهم ذهبوا إليه، وقالوا له: إن فلاناً -أي المودودي - فيه كذا وكذا، فقال لهم: والله لو سئلت يوم القيامة، سأقول: إمام ومجدد، فنحن اختلط علينا هذا الأمر، وقلنا: نسأل عنه الشيخ! الشيخ: انظر! -يا أخي- أنا أنصحك أنت والشباب الآخرين الذين يقفون في خط منحرف فيما يبدو لنا والله أعلم: ألا تضيعوا أوقاتكم في نقد بعضكم بعضاً، وتقولوا: فلان قال كذا، وفلان قال كذا؛ لأنه أولاً: هذا ليس من العلم في شيء، وثانياً: هذا الأسلوب يوغر الصدور، ويحقق الأحقاد والبغضاء في القلوب، إنما عليكم بالعلم، فالعلم هو الذي سيكشف هل هذا الكلام في مدح زيد من الناس الذي له أخطاء كثيرة؟ وهل -مثلاً- يحق لنا أن نسميه صاحب بدعة؟ وبالتالي هل هو مبتدع؟ ما لنا ولهذه التعمقات؟ أنا أنصح بألا تتعمقوا هذا التعمق؛ لأننا في الحقيقة نشكو الآن هذه الفرقة التي طرأت على المنتسبين لدعوة الكتاب والسنة، أو كما نقول نحن: للدعوة السلفية، هذه الفرقة -والله أعلم- السبب الأكبر فيها هو حظ النفس الأمارة بالسوء، وليس هو الخلاف في بعض الآراء الفكرية، هذه نصيحتي.

مداخلة: يا شيخنا! الصورة قاتمة جداً فيما يجري بين الشباب في كثير من بقاع الأرض، ولا نشك أن هناك منحرفين وهناك مخطئين ومبتدعين، لكن أصبحت المواجهة في كثير من الأحايين مواجهة شخصية، ومواجهة للقيل والقال، مما لا يشعر الشباب ما يترتب على ذلك من إضاعة الأوقات، وإثارة كثير من الحقد بينهم، هذه مسألة لا يتنبهون لها، وهم -ولا نشك- معهم الحق، لكن كثيراً من الشباب عندما أسأله: كم تحفظ من القرآن؟ يقول: أحفظ أقل من ثلاثة أجزاء! أسأله: كم لك تناقش هذه القضية؟ يقول: ثلاث سنوات، ثلاث سنوات وهم يجلسون يتناقلون: زيد مبتدع، غير مبتدع، كافر، غير كافر، زنديق، غير زنديق، قال ما قال، منحرف غير منحرف، وقد يكون منحرفاً أو مخطئاً أو ضالاً! وهم يظنون إذا جاءهم الناصح وقال لهم: هذا مضيعة للأوقات، الأغلب يظنون أن الناصح مع أولئك، وهذا أمر عجيب! وهو يريد نصحهم، شاب عمره سبع عشرة سنة لا يحفظ إلا القليل وهو الآن يناقش في مسائل عميقة جداً، قد يتأنى فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه ويتريثون فيها، بينما هم يتسرعون إلى مثل هذه القضايا، فنريد توجيهاً لمثل هذا.

الشيخ: أنا كثيراً ما أُسْأَل: ما رأيك بفلان؟ فأفهم أنه متحيز له أو عليه، وقد يكون الذي يسأل عنه من إخواننا، وقد يكون من إخواننا القدامى يقال عنه: إنه انحرف، فأنا أنصح السائل: يا أخي! ماذا تريد بزيد وبكر وعمرو؟ استقم كما أمرت، وتعلم العلم، وهذا العلم سيميز لك الصالح من الطالح، والمخطئ من المصيب.

إلخ، ثم لا تحقد على أخيك المسلم لمجرد أنه لا أقول: أخطأ، بل لمجرد أنه انحرف، لكن انحرف في مسألة أو اثنتين أو ثلاث، والمسائل الأخرى ما انحرف فيها، ونحن نجد في أئمة الحديث من يتقبلون حديثه، ويقولون عنه في ترجمته أنه مرجئ، وأنه خارجي، وأنه ناصبي.

إلخ، فهذه كلها عيوب وكلها ضلالات، لكن عندهم ميزان يتمسكون به، ولا يرجحون كفة سيئة على الحسنات أو سيئتين أو ثلاث على جملة حسنات، ومن أعظمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

أنا أقول -مثلاً- في سلمان وأمثاله: بعض إخواننا السلفيين يتهمونهم بأنهم من الإخوان المسلمين، أنا أقول: لا أعلم أنه من الإخوان المسلمين، لكن ليت الإخوان المسلمين مثله، الإخوان المسلمون يحاربون دعوة التوحيد، ويقولون: إنها تفرق الأمة وتمزق الكلمة، أما هؤلاء -فيما أعتقد وأهل مكة أدرى بشعابها- يدعون إلى التوحيد، ويدرسون التوحيد، أليس كذلك؟ السائل: نعم.

الشيخ: إذاً: ليت الإخوان المسلمين يكونون كذلك، وقد يوجد عندهم عمل سياسي، وعندهم ما يشبه الخروج على الحكام ...إلخ، نعم، الخوارج كانوا كذلك، الخوارج الرسميون الذين لا يشك العلماء أن قول الرسول عليه السلام: (الخوارج كلاب النار) إنما قُصِدُوا هم؛ الذين خرجوا على علي، وأنهم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ، كما في الحديث المعروف في الصحيحين؛ هم المقصودون، مع ذلك يروون الحديث عنهم، ويعتبرونهم مسلمين، فهم يدعون ضلالاتهم ويبينون حسناتهم، وهذا من باب قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] .

فهؤلاء إذا كان عندهم انحراف، ولا أعتقد أنه انحراف في العقيدة، إنما هو انحراف في الأسلوب، وعلى كل حال نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأمة الوسط، التي لا تقع لا في الإفراط ولا في التفريط.