للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رأي الشيخ الألباني في كلمات لسيد قطب]

أنا أذكر يا شيخنا! بالمناسبة نفس هذا الكلام كيف حمله بعض إخواننا الأفاضل على محمل سيئ، ولعلكم تسددونني فيما أقول.

يقول سيد قطب في بعض كتبه: (إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها، لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم، أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى مجسمة في أحجار، أو أشجار، أو حيوان، أو طير، أو نجم، أو نار، أو أرواح، أو أشباح.

إن هذه الصورة الساذجة كلها لا تستغرق صور الشرك بالله، ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله، والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصورة الساذجة يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها، ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة، ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها، كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام وتمثل صورها المجردة، المتجددة مع الجاهليات المستحدثة) .

نريد تعليق شيخنا، ثم نقرأ تعليق أحد الإخوة الأفاضل على هذا الكلام.

الشيخ: لا يوجد شيء على الكلام، هو كلام سليم (١٠٠%) ، ويكفي في ذلك قوله تعالى في القرآن الكريم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] والتفسير الذي جاء في هذه الآية لما نزلت، وهي نزلت في حق النصارى، وكان من العرب الذين تنصروا في الجاهلية -مع قلة المتنصرين- عدي بن حاتم الطائي، ثم هداه الله عز وجل وأسلم، والقصة مذكورة في مسند الإمام أحمد وغيره، فلما نزلت هذه الآية أشكلت على عدي بن حاتم الطائي؛ لأنه فهمها بمعنى الشرك الذي ينكر الرجل أن يكون الشرك كله محصوراً في هذا النوع من عبادة الأصنام والوثنيات، فقال له عليه السلام موضحاً المعنى العام الأشمل للشرك بالله عز وجل في اتباع غير شريعته، قال له: (ألستم كنتم إذا حرموا عليكم حلالاً حرمتموه، وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه؟ قال: أما هذا فقد كان، قال: فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله) .

الآن هذا النوع من الشرك غير ملاحظ حتى عند الذين يعلنون أن الحاكمية لله عز وجل، وأنا أذكر بمثل هذه المناسبة لما كنت في دمشق في مخيم اليرموك، في مسجد صلاح الدين بالذات، حينما صعد المنبر خطيب من شباب الإخوان المسلمين، وألقى خطبة نارية في أن الحاكمية لله عز وجل، سبحان الله! ولما صلى وانتهى من الصلاة، لفتُّ نظره إلى خطأ -ونسيت الآن ما هو هذا الخطأ- قلت له: هذا مخالف للسنة، قال: لكن أنا حنفي! قلت: يا أخي! الله يهديك، أنت الآن خطبتك كلها في أن الحاكمية لله عز وجل، فما معنى الحاكمية؟ فقط أنه إذا جاءك قانون من كافر مخالف للشرع فهذا هو الكفر، وأنه يلزمك أن تتمسك بالشرع، أما إذا جاءك حكم من مسلم كان مخالفاً للشرع، هذا تتبعه مع مخالفة الشرع، أين الحاكمية لله عز وجل إذاً؟! هذا المعنى -في الحقيقة- شامل وجامع، وهو أحسن حينما دفع شبهة من قد يقف، فقال: فقط، أي: ليس الشرك فقط هذا، فوسع المعنى؛ وهذه التوسعة هي الإسلام، ولذلك نحن نقول: إن الوقوف عند محاربة الشركيات في أفراد الشعب، وترك الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله -وهذا لا يعني أن ندخل في خضم التكفير وإخراجهم عن الملة، يكفي أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، والتفصيل الذي ندين الله به هو أن هناك كفراً دون كفر، كفر عملي وكفر اعتقادي، هذا التفصيل الحق هو الذي يجعلنا معتدلين، ولا نتسارع إلى تكفير الحكام دون أن نفرق بين حاكم يؤمن بما شرع الله، ولكن يتبع هواه في بعض مخالفته لما شرع الله- أقول: إن الوقوف عند محاربة الشركيات في أفراد الشعب، وترك الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله فيه ما فيه، وهذا الجانب من التوحيد يجب أيضاً أن يشتغل به الدعاة.

لكن الحقيقة أنا أقول كلمة صريحة: إن دعاة التوحيد اليوم في امتحان مرير، فكل قرار يصدر تجد

الجواب

هذا أمر ولي الأمر! صح يا زين! أم لا؟ وقعنا فيما نحذر منه، لماذا نحن لا نتوجه -إذاً- إلى الدعوة بعامة وليس فقط فيما يتعلق بالشعوب، العبارة هذه تشبه تماماً كلمة (فقط) هناك، فهو قيدها بالوقوف في محاربة الشركيات المتعلقة بالشعوب وترك الحكام دون نصح ودون تحذير، ودون إنكار، ولو مع عدم الخروج، هل الجواب واضح؟ السائل: لا يستلزم هذا مواجهة؟ الشيخ: نعم.

لا يستلزم.

السائل: علق أخ فاضل على هذا الكلام بما يلي، الذي كأني فهمت أنه كلام ابن القيم بأسلوب عصري! قال: في هذا الكلام أولاً تهوين من دعوات الأنبياء.

الشيخ: لا.

هكذا كلام ابن القيم!! السائل: التي ركزت على عبادة الأصنام والأوثان، هل في هذا تهوين؟ الشيخ: بَيِّنٌ.

السائل: يعني: لا.

الشيخ: طبعاً!! السائل: قال! ثانياً: فيه صرف الدعاة عن أعظم وأكبر أنواع الكفر والشرك الذي حاربه كل الأنبياء والمرسلون المصلحون، وأدركوا أنه أكبر خطر على الإنسانية.

هل في هذا الكلام صرف؟ الشيخ: لا يوجد.

السائل: لا يوجد؟ الشيخ: نعم.

السائل: ثالثاً: فيه خلط بين قضايا الشرك الأكبر والأصغر، وبين قضايا المعاصي صغيرها وكبيرها.

الشيخ: أين هذا؟ السائل: والله ما فهمته! لكن سأقول لك: أين؟ الشيخ: بفهم أو بدون فهم؟ السائل: إن شاء الله بفهم.

السائل: بعض الناس يرى أن مسألة الحاكمية والحاكم بصورة عامة هي شرك أصغر، وأما شرك القبور بصورة مطلقة شرك أكبر، ولا يفصلون بين الشرك العملي والشرك الاعتقادي إلا عند الحاكم، ولا يدرجون هذا على الناس الذين يقعون في الشرك المسمى شرك القبور، فيرون أن هذا ليس فيه تفصيل، أي شرك يأتي به الرجل في شرك القبور هو خارج من الملة دون تفصيل، دون جهل، دون إقامة حجة إلى غير ذلك، وأما ذاك ففيه تفصيل، ولعل إن أصبت والتسديد لكم، فهكذا: فيه خلط، مع أنه ذكر كلاماً بديعاً.

ثم النقطة الثانية يقولون: إنه وصف الشرك هذا بأنه ساذج، لا شك أنه ساذج، فلا أدري هم فهموا ما معنى ساذج أم لا، يقول: هؤلاء الذين يعبدون الأصنام شركهم ساذج، ولكن أولئك الذين يعبدون ويطيعون ويفعلون مثل الحديث الجميل الذي ذكرته، فهذا كذلك داخل في الشرك.

الشيخ: إي نعم.

مداخله: هل يحسن أن نقول عن شرك الأوثان أنه بدائي.

الشيخ: يا أخي -بارك الله فيك- كلمة شرك بدائي نزلت في شيءٍ من القرآن أو في السنة؟ السائل: لا.

الشيخ: حسناً من الذي تكلم؟ زيد من الناس، نحن نستوضح منه هل يقصد من كلمة (بدائي) بمعنى أنه لا يخرج من الملة بعد إقامة الحجة؟ فإن كان يقصد هذا ننكر ذلك عليه، إذا كان يريد التهوين من هذا الشرك، إذاً نحن نستوضح منه، ماذا تريد من كلمة (بدائي) ؟ والذي أفهمه أنه يعني: أن هؤلاء العرب وثنيون ليس عندهم كتاب كاليهود والنصارى يرشدهم ويدلهم ويهديهم، ولو في بعض النواحي التي بقيت محفوظة عند أهل الكتاب وغير محرفة، فهم وثنيون يعيشون هكذا على الجاهلية، هذا الذي يعنيه بأنه شرك بدائي، ما أفهم أنه يعني أنه شرك لا ينبغي أن يهتم به، وأظن أنك أنت وأمثالك تريدون أن تفهموا هكذا، ولذلك لا تقفوا عند هذه الكلمات، لماذا؟ لأنها: أولاً: ما صدرت من معصوم.

ثانياً: حاولوا أن تفهموا ماذا يعني بهذه الكلمة، كما يروى عن بعض السلف: التمس لأخيك عذراً، هذا إذا كانت العبارة فيها إيحاء بما يخالف الشرع، أما إذا كانت العبارة ما هي واضحة؛ فنحملها على أحسن الاحتمالين.

السائل: لعل هذا -إن شاء الله- فيه هداية للجميع، يقول سيد قطب: إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل، وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر، وحدود العقيدة أبعد كثيراً من مجرد الاعتقاد الساكن -كأنها لفتة إلى المرجئة دون أن يدري، الذين لا يجاوزون الإيمان حدود القلب- يقول: إن حدود الاعتقاد تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة، وقضية الحاكمية كذلك فروعها -أو كلمة خطأ- في الإسلام هي قضية عقيدة، والحاكمية هي قضية عقيدة، كما أن قضية الأخلاق بمجملها هي قضية عقيدة، فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشمل الأخلاق والقيم، كما يشمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء.

الشيخ: صحيح.

السائل: هذا الكلام صحيح؟ الشيخ: نعم.

السائل: يقول أخونا يعلق على هذا الكلام: هذا كلام حق وخطأ! الشيخ: عجيب! السائل: أما العقيدة قاعدة لمنهج حياة متكامل فمسلَّم.

الشيخ: الحمد لله.

السائل: وهذا أقره على كلامه كله.

الشيخ: نعم.

السائل: تابع لكلام الأخ الفاضل: وأما أن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة؛ فهذا لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا قاله علماء الإسلام.

الشيخ: هذا رجل سطحي.

السائل: هذا الكلام غير صحيح؟ الشيخ: نعم، نقدر نفهم مَن هذا؟ السائل: ما أحبه.

الشيخ: ما تحبه! السائل: فهذا من شذوذات سيد قطب ليوسع به دائرة التكفير! ألا ترون أن هذا إلزام بما لا يلزم؟ الشيخ: نعم، ولا شك.

السائل: تابع: لمن يخالف منهجه -أي: لا يكفر الآخرين، مجرد أي واحد يخالف منهجه، فيريد سيد بهذا أن يكفر-.

الشيخ: ما عرفنا ذلك عنه.

أنا أعتقد أن الرجل ليس عالماً.

السائل: لا شك.

الشيخ: لكن له كلمات في الحقيقة! -خاصة في السجن- كأنها من الإلهام.

السائل: تابع لكلام الأخ: وهو مع ذلك يحيد عن ذكر شرك القبور.

السائل: قد وجدت كلاماً لـ ابن القيم في إعلام الموقعين هو نفس الكلام بالتمام، وهو يقول: التوحيد يشمل كذا، ويشمل كذا، وهو ينبثق من القلب إلى الأعضاء إلى غير ذلك، فيشابه هذا الكلام.

فالحقيقة أنهم أتوا من جهة أنهم هم يفسرون كلام الآخرين، مع أن إخوانهم في العقيدة والمنهج وبخاصة من أمثالكم وأمثال سماحة الشيخ عبد العزيز وغيره؛ ترون أن هذا الأمر لا يحتمل مثل هذه الأمور التي حملوا كلام الناس عليها.

الشيخ: هذا صحيح.