للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا رجلاً يصوم صوماً فليصمه)

يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) هل هذا النهي على إطلاقه؟ يقول الرسول عليه السلام جواباً عن هذا

السؤال

(إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) هذا الاستثناء يوضح أن النهي السابق إنما هو خاص بمن يتعمد التقدم بين يدي رمضان بصوم يوم أو يومين، أما إنسان -آخر- له نظام من الصيام، كأن يكون من عادته اتباع السُّنة المعروفة وهي صيام يوم الإثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، فاتفق أن جاء يوم الخميس وكان ذلك قبل رمضان بيوم، فهل يدخل في هذا النهي: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين) ؟

الجواب

لا: (إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) فهذا الذي اعتاد هذا الصيام المشروع له أن يتقدم رمضان بمثل هذا الصيام؛ لأنه لم يقصد هذا التقدم، وكأن المقصود مباشرة بهذا النهي هو صيام يوم الشك الذي سيأتي الحديث الخاص فيه؛ لأن الذي يصوم يوم الشك يصوم اليوم الذي هو بين يدي رمضان ولم يثبت بعد أن هذا اليوم -أي: يوم الشك- هو من رمضان، فيصومه احتياطاً، وفتح باب الاحتياط في الدين هو فتح لباب كبير من الزيادة في الدين، وهذا في الواقع له أمثلة كثيرة في بعض الأحكام الفقهية.

ولعل الحاضرين يعلمون أن بعض المذاهب توجب على من صلى يوم الجمعة أن يصليها بعد الفراغ منها ظهراً، بعض المذاهب توجب هذا، لكن هناك مذاهب أخرى لا توجبه من باب ما يوجبه المذهب الأول، وهو أن تلك الصلاة لم تصح فتصلى هذه، لكن هذا المذهب الآخر يقول: إن هناك شروطاً فيها خلاف، إذا توفرت صحت الصلاة -صلاة الجمعة- وإن لم تتوفر لم تصح الصلاة، فمن باب الاحتياط يحسن أن يصلى بعد الجمعة صلاة الظهر.

هذا الاحتياط يؤدي بقائله إلى مخالفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ألا وهو أن الله عز وجل إنما فرض في كل يوم وليلة خمس صلوات، وإلى مخالفة نص آخر، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة في يوم مرتين) فنحن نعلم أن المفروض من يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإذا كانت صلاة الجمعة لا تصح فصلاة الظهر، أما أن يصلي مرتين: مرة بنية الجمعة ومرة بنية الظهر؛ فهذا خلاف هذا الحديث مع مخالفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما في الحديث، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة في يوم مرتين) فهذا في الوقت الواحد -وقت الظهر- صلى صلاتين: صلاة الجمعة ثم صلاة الظهر.

فلذلك لا يجوز أن يتقدم الإنسان على الحكم المنصوص عليه في الشرع من باب الاحتياط، أو من باب ما يقوله العامة: (زيادة الخير خير) .

لا خير بعدما شرع الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام من الخير.

الخلاصة: هذا الحديث الذي ينهى المسلم أن يتقدم بين يدي رمضان بصوم يوم أو يومين، في الوقت ذاته يوضح أنه لا مانع من صيام ما كان معتاداً له قبل رمضان، إذا كان له عادة أن يصوم -مثلاً- ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء رمضان فله أن يصوم هذه الثلاثة الأيام، له أن يصوم يومين، له أن يصوم يوماً واحداً ما دام أنه لم يقصد الصيام من أجل رمضان؛ لأن رمضان أيامه محدودة، وإنما صام تنفيذاً لتلك العادة المشروعة التي كان عليها.