للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريق بين البدعة في الدين، والبدعة في أمور الدنيا]

ومن الإفراط مثلاً: أن بعض الناس ينكرون -ممن لم يعتادوا- الأكل بالملعقة؛ فهذه ليس لها علاقة بالدين، لماذا تنكر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل بالملعقة صحيح، ورسول الله ما ركب السيارة، ولا الطيارة إلخ، فهل يقول الإنسان: إن هذه بدعة؟ البدعة تكون في الدين، أما أن تأكل بالملعقة، أو تركب الطيارة ولا تركب الدابة، وما شابه ذلك، فهذه كلها من أمور الدنيا، وقد تساعدنا أيضاً -كما قلنا- مثل هذه الوسيلة على القيام ببعض الواجبات التي ربما لا نستطيع أن نقوم بها في هذا الزمان بدونها.

المهم يجب أن نفرق بين البدعة في الدين، والبدعة في الدنيا ونلخص هذا الموضوع الطويل بالآتي: البدعة تنقسم -أي: الشيء الذي حدث- إلى قسمين: إما أن يكون لها علاقة بالدين، أو يكون لها علاقة بالدنيا.

فإذا كان لها علاقة بالدين ويقصد بها زيادة التقرب إلى الله؛ فهذه بدعة ضلالة قولاً واحداً، وإذا كان لا يقصد بها زيادة التقرب إلى الله، وإنما تستعمل كوسيلة لتحقيق حكمة أو علة شرعها الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، فحينئذٍ ننظر: إن كان السبب المقتضي للأخذ بهذا الأمر الذي حدث كان قائماً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فالأخذ بهذا الأمر الذي حدث لا يجوز؛ لأنه لو كان جائزاً لأخذ به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثاله الأذان لصلاة العيدين، فيقال: يا أخي! سنؤذن من أجل الإعلام، فيقول: هذا كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا لم يستعمل هذه الوسيلة للإعلام؟ إذاً نحن نتبعه، ولا نحدث في الدين شيئاً، أما إذا كان المقتضي حدث -ولسنا نحن مسئولين عنه- وكان يساعد على تحقيق غرض شرعي، كهذا المكبر للصوت، فنحن لا نسميه بدعة شرعية، وإنما هو أمر جديد حدث، فما دام يحقق غرضاً شرعياً فهو مشروع، وقد يمكن أن يكون أكثر من مشروع، فالمسجلات هذه -مثلاً- إذا سجل فيها درس أو موعظة أو حديث أو تلاوة قرآن، فهي مشروعة؛ لأنها وسيلة، أما إذا سجل فيها أغاني أو ملاهي أو آلات طرب؛ فهي غير مشروعة؛ هذا لأنه من الأمور التي حدثت في الدنيا لا في الدين، هذا التفصيل يجب أن نتذكره دائماً؛ حتى لا نقع في إفراط ولا تفريط.

الإفراط أن نقول: هذه لم تكن في عهد الرسول فلا نفعل بها يا أخي! ليس لها علاقة بالدين، مثل السيارة، والطيارة.

والتفريط: أن تأتي وتحدث في الدين أشياء تريد أن تتقرب بها إلى الله عز وجل، فتنسب النقص وضعف الهمة في العبادة للسلف الصالح، الذين لم يحدثوا هذه المحدثات من الأمور الدينية.

وفي هذا القدر الكفاية والحمد لله رب العالمين.