للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج المعتزلة في تأويل النصوص]

يقول تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] نص صريح في القرآن أن الله عز وجل يمتن على عباده المؤمنين يوم القيامة، فيرون وجهه الكريم، كما قال الفقيه الشاعر السلفي:

يراه المؤمنون بغير كيفٍ وتشبيهٍ وضربٍ للمثال

قالت المعتزلة: لا يمكن للعبد أن يرى ربه لا في الدنيا ولا في الآخرة.

أين تذهبون بالآية؟ قالوا: معناها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا} [القيامة:٢٢-٢٣] أي: إلى نعيم ربها ناظرة، فهذا تأويل، بمعنى: إلى نعيم ربها، ربنا قال: {إِلَى رَبِّهَا} [القيامة:٢٣] من أين جئت بهذه؟ قال: هذا مجاز الحذف، ومن هنا أنكر ابن تيمية المجاز في القرآن؛ لأنه كان معولاً من أعظم وأقوى المعاول هدماً للعقيدة الإسلامية، هذا النص يثبت لله عز وجل نعمة منه على عباده أن يروه يوم القيامة، ويقول هؤلاء: لا يمكن! الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] فيقولون: لا.

ليس سميعاً ولا بصيراً، لم؟ لأننا إذا قلنا: سميع بصير شبهناه بأنفسنا، إذاً ما معنى: سميع بصير؟ قالوا: عليم، سميع بصير لفظتان عربيتان تساوي عندهم عليم فقط، وهل خلصنا من المشكلة، وفلان العليم! اليوم يقال عند الدكتور في اللغة العربية: عليم، تعبير لا بأس فيه، ويجوز أن نقول عن الإنسان: عليم، مبالغة في الوصف، هل يجوز أن نقول: فلان عليم؟ نعم.

إذاً: لا نقول الله عليم؛ لأنه صار فيه تشبيه لله بعبد الله، وهكذا عطلوا صفات الله عز وجل، ووصل بهم الأمر أن أنكروا وجود الله، سواء اعترفوا أو لم يعترفوا فذلك يلزمهم، ورحم الله ابن القيم حين يقول: (المجسم يعبد صنماً، والمعطل -أي: المؤول- يعبد عدماً) ، ولذلك يقول هؤلاء المؤولة الذين لم يلتزموا منهج السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات، يقولون: الله لا فوق.

هل تجدون في القرآن (الله لا فوق) ؟ نجد في القرآن يصف عباده: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠] هم يقولون: لا فوق، تجدون في القرآن: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:٤] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠] إلى آخر ذلك الله لا فوق -مثلاً- إذاً هل هو تحت؟ لا تحت، إذاً هل هو يمين؟ لا يمين ولا يسار، لا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، إذاً ماذا بقي؟ العدم.

هذا هو العلم الذي تورط فيه كل علماء الكلام بدون استثناء، إلا من كان على منهج السلف الصالح، فكل علماء الكلام، لا أستثني لا أشاعرة ولا ماتريدية إلا أفراداً منهم آمنوا بما كان عليه السلف الصالح، كما قال صاحب قصيدة بذل الأماني:

ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال

يعني: ليس كمثله شيء، الله وصف نفسه بأنه على العرش استوى.

ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال

انظروا -يا إخواننا الشباب! - بصورة خاصة، نحن الآن نزعم بأننا نريد أن نحقق المجتمع الإسلامي، وأن نقف جبهة أمام الإلحاد، وأمام الشيوعية، ونحوها من الأحزاب، فبم نقف أمامهم؟ أبعلم كتاب الله وحديث رسول الله على منهج السلف الصالح، أم بعلم الكلام؟ لا تشعرون في الواقع -ولعل هذا من الخير لبعضكم- لو أنكم درستم علم الكلام لأقام المبطلون الحجة عليكم؛ لأن الملحد الشيوعي ونحوه حين يقول لك: لا يوجد في هذا الكون إله، لا تستطيع أنت أن تقيم الحجة عليه وأنت تقول: يوجد إله؛ لأنه قد يقول لك: أرني إياه، مثلما قال لي أحدهم: إن الذي صعد إلى القمر ما رأى الله عليه، يقول لك الشيوعي: أرني رب العالمين.

تقول له أنت: لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار، لا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، فهذا الكلام أتقدر أن تقيم به الحجة على الملحد؟

الجواب

لا.

لكن لو أنك تلوت آيات الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] والله أكبر من كل شيء إلخ، نحن لا نريد أن تقنعه، حسبنا أن نقيم الحجة عليه، ولله الحجة البالغة على الناس، فإذا قلت له هذا الكلام الذي يوجد في كتب الماتريدية والأشاعرة -إلا قليلاً منهم -كما قلنا- ما استطعت أن تدعو إلى إسلامك، لكن أقول: من الخير لكم أو لبعضكم، أنه لم يقرأ علم الكلام، هذه حقيقة، ولا يعرف أنه قد يسمع هذا الكلام فيستغرب، ويقول: أيوجد من المسلمين من يعتقد هذه العقيدة؟ نعم.

اقرءوا كتب الغزالي اقرءوا إحياء علوم الدين اقرءوا بعض الرسائل الجديدة المطبوعة والمنشورة اليوم باسم العقائد؛ فستجدون فيها الجحد الذي يساوي: أنا أؤمن بالله، ولا أؤمن بالله أؤمن بالله على أساس لا كبير ولا صغير، أي: لا يوصف بأنه كبير ولا صغير، وهذا مطبوع في طبعة جديدة وعصرية، وأنه لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار.

إلخ، سيجد أنها لا توزن لا بميزان، ولا بقبّان، ولذلك رحم الله أحد أمراء دمشق حيث حضر مناقشة جرت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وأمثال هؤلاء المعطلة، لما سمع كلامهم، وسمع كلام ابن تيمية المستند إلى الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح؛ اقتنع أن هذه هي العقيدة الصحيحة، والتفت إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هؤلاء -يشير إلى المشايخ- قوم أضاعوا ربهم.

لماذا؟ لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار إلخ.