للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم من مات مؤمناً

السؤال

هل الذي يموت مؤمناً سيدخل الجنة، أو إن شاء الله أدخله الجنة وإن شاء أدخله النار؟

الجواب

هذا السؤال فيه نوع من الغرابة! لكن كأنه يخيل إليَّ أن السائل إما أن يكون قرأ شيئاً من علم الكلام، أو أنه سمع من بعض الناس شيئاً من هذا العلم، ففي علم الكلام جملة مأثورة عند الأشاعرة، يقولون وهم يظنون أنهم يثنون على ربهم بما يقولون: "لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي" هذه جملة مذكورة في الجوهرة وفي غيرها من الشروح وغيرها من الأصول، وهناك تفاصيل لهذه الجملة تضخم المشكلة جداً، حيث يقولون: لله تعالى أن يدخل محمداً صلى الله عليه وسلم النار ويجعله في الدرك الأسفل منها، وعلى العكس من ذلك لله عز وجل أن يدخل إبليس الرجيم جنات النعيم.

نقول: لا تستعجلوا حتى لا نظلم الناس؛ لأن هذا الذي يقولونه يكفيهم ظلماً، فلا نريد أن تفهموا شيئاً أكثر مما يقولونه، قالوا على العكس من ذلك: لله عز وجل أن يدخل إبليس الرجيم جنات النعيم، ويجعل مقامه في المقام الأعلى، لماذا؟ وقالوا: "لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي" حجتهم في ذلك مثل قوله عز وجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] وقوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] لكن مثل هذه النصوص المطلقة لا يجوز الاعتماد عليها بدون ضمها إلى النصوص الأخرى، مثلاً: قال الله تبارك وتعالى وهو الذي يقول: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:٢٣]- يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات:١٥٣-١٥٤] إذاً: هذه الآية وأمثالها آيات كثيرة وأحاديث أكثر وأكثر تبين أن الله عز وجل حينما يقول: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] لا ظالماً، ولا معرضاً عن الحكمة والعدل، وإنما فعالٌ لما يريد مع حكمته تبارك وتعالى وعدله الذي لا ند له.

وحسبكم في هذا من الأحاديث الصريحة الصحيحة قوله عليه الصلاة والسلام: (قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) هذا نص صريح له فائدتان: إحداهما سلبية، والأخرى إيجابية السلبية: أن الله عز وجل لا يظلم، أما الإيجابية: أن الله قادر على الظلم؛ لأنه قال: (حرمت الظلم على نفسي) فهو قادر على أن يظلم الناس، ولكنه عز وجل لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، هذا من تلك النصوص الكثيرة.

ولما وجد أولئك من علماء الكلام مثل هذه النصوص الصريحة القاطعة بأن الله عز وجل يعامل عباده بمجموع الصفات العليا التي اتصف بها، ليس فقط بصفة أنه (فعال لما يريد) كما يفهمون قوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] ولا بظلم: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:٢٣] لأنه يظلم، لا.

{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:٢٣] لأن الله عز وجل حكيم عليم، يضع كل شيءٍ في محله المناسب له، فلا أحد يستطيع أن يسأله: لماذا وضعت هذا هنا وهذا هنا؟ لِمَ أدخلت محمداً الجنة وأعطيته الدرجة الرفيعة، وألقيت إبليس في أسفل سافلين من النار؟ لا أحد يسأل هذا السؤال؛ لأن الله عز وجل حكيمٌ عليم، يضع كل شيءٍ في محله المناسب له، ولما وجد علماء الكلام مثل هذه النصوص القاطعة بأن الله عز وجل لا يعذب الطائع، كيف وهو يقول في استفهام استنكاري: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات:١٥٣-١٥٤] قالوا: -لكي ندافع عن كلمة قالها بعض أسلافهم، وكل إنسان خطّاء، والحق أن يَدَعوا تلك الكلمة ولا يحاولوا إثباتها ولو بطريق العقل- قالوا: "شرعاً لا يقال لله عز وجل تعذيب الطائع وإثابة العاصي، وإنما يقال هذا عقلاً.

وهذه مشكلة، كانوا في مشكلة فوقعوا في مشكلة أخرى، وذلك أنهم الآن يصورون للناس أن الإسلام شيء والعقل شيء، العقل يجيز شيئاً والإسلام يمنعه، وهل هذا هو الإسلام، أم الإسلام يمشي مع العقل السليم كالتوأمين تماماً؟ لذلك نحن نقول: لا عقلاً ولا شرعاً يجوز للمسلم أن يقول أو أن يصف ربه بقوله: له تعذيب الطائع وإثابة العاصي، فكيف ذلك؟ ألم نفهم؟ ألم نعقل أن ربنا حكيمٌ عليم عادل؟ هكذا فهمناه، فكيف نكابر ونقول: عقلاً له أن يعذب الطائع؟! وعلى هذا لا يجوز إلا أن نقطع بأن الله عز وجل وعد المؤمنين بالجنة، حتى الفساق وحتى أصحاب الكبائر يوماً ما سيدخلون الجنة قطعاً: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:٢٣] ولا يجوز الشك إطلاقاً في هذه الحقيقة، وهذه يقابلها حقيقةٌ أخرى: أن الكفار، وليسوا عندنا إنما الكفار عند الله تبارك وتعالى، وهم الذين بلغتهم الشريعة الإسلامية في أصولها الصحيحة غير محرفة ولا مبدلة ثم كفروا بها وجحدوا بها واستيقنت بها أنفسهم، فهؤلاء سيدخلون جهنم خالدين فيها أبداً بدون نهاية.

وهناك مرتبة بين المرتبتين، وهي مرتبة العصاة من المسلمين، هؤلاء إما أن يشمل الكثير منهم ربنا عز وجل بمغفرته، فيدخلهم الجنة بدون عذاب، أو أن يعذبهم بسبب ذنوبهم، ثم ينجيهم من الخلود في النار إيمانهم، ولو كان هذا الإيمان مثل ذرة، هذا الهباء الصغير، مهما كان هذا الإيمان قليلاً، إذا كان إيماناً صحيحاً مطابقاً للشريعة الإسلامية كتاباً وسنة فصاحبه لا يخلد في النار، ولا يخلد في النار إلا الكفار، هذا الذي يجب على المسلم أن يعتقده: أن المؤمن الذي مات على الإيمان الصحيح، وكانت حسناته أكثر من سيئاته فهو في الجنة بدون عذاب، ومن كان قد ارتكب شيئاً من المعاصي، فإن لم يشمله الله عز وجل بمغفرته فيعذب في النار بالمقدار الذي يستحقه، ثم يخرج منها إلى الجنة.

أما الكفار فيخلدون فيها أبداً، كما هو نص القرآن ونص السنة المتواترة عن النبي عليه الصلاة والسلام.