للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هدي السلف في الجلوس في حلقات العلم]

هذه الأحاديث الثلاثة التي بعد الحديث السابق ضعيفة أيضاً، لكني أيضاً ألفت النظر إلى أثر من آثار الصحابة حينما يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، لقد سمعتم أنهم جلسوا حوله.

أنتم الآن لا يصح أن يقال: جلستم حولي، بل جلستم أمامي، فكيف الذي يتصور جلوسهم حوله، وفي المسجد وهو على المنبر؟ معنى هذا أن جماهير المصلين اليوم يخالفون هذه الآداب؛ لأنهم يظلون مستقبلين القبلة، بينما السنة أن يستقبلوا الإمام، وهو يخطبهم على المنبر، هكذا يقول أبو سعيد الخدري: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله) فهناك شبه نصف دائرة تحوط حول الرسول عليه السلام، باعتبار أن المسجد طوله أكثر من عرضه، بخلاف وضعنا الآن، فلذلك مع أن وضعنا الآن ليس كما كان مسجد الرسول، الطول صغير جداً والعرض هو الطويل، مع ذلك يلاحظ أن الفكرة تقتضي -كما يُشعر من ذلك أن المثل السائد عند العامة: (العين لغة الكلام) أني ألاحظ الآن أن بعض الناس غير مستقبلين القبلة برغم ضيق المكان، بل مستقبلين النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن هذه قضية نفسية، العامة حينما يقولون: (العين لغة الكلام) هذا ليس كلام عوام بل كلام حكماء؛ لأنه متقرر أو مستقر في العلم أن أي أمر تتوفر عليه حاستان، فتأثير ذلك الأمر فيمن توفرت فيه حاستان تجاهه أكثر ممن توفرت فيه حاسة واحدة، وكلما زادت الحواس كلما زاد التأثير، فالإنسان الذي يسمع يتأثر بهذا الكلام، ولكن الذي يسمع ويرى يتأثر أكثر وأكثر، ومن هنا تظهر لنا بعض حكم التشريع وبعض الحركات التي سنها الله، إما على لسان نبيه أو على شأنه وسلوكه.

مثلاً: رفع الأيدي في الصلاة تحريك الإصبع في التشهد النظر إلى هذه الإصبع، وتوجيه هذه الإصبع إلى القبلة، هذه كلها لماذا؟ توجه قلب هذا المصلي إلى حقيقة واحدة هي الاستقلال لله رب العالمين، هو الذي أمره أن يتوجه بكل بدنه إلى القبلة، فيتوجه حتى بإصبعه وحتى بأصابع قدميه، وهو في السجود مثلاً، وهو في التشهد، فيوجه أصابع قدمه اليمنى إلى القبلة، كل هذا تأكيد إلى أن الإنسان يتوجه بكل جوارحه إلى طاعة ربه عز وجل، هذه الطاعة تغرس في قلبه المعاني المقصودة من هذه العبادة.

كذلك حينما يجلس الناس لسماع الخطيب، لا يكفي أن يتوجه هو إلى القبلة فقط؛ لأنه الآن في صلاة في موعظة في ذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] أنت الآن في ذكر، فيجب أن تتوجه بكليتك إلى هذا الذكر، أمن هذه الكيفية أن تتوجه ببدنك، أن تتوجه ببصرك أن تتوجه بسمعك، ومن تتوفر فيه هذه الصفات يكون تأثره بما يسمع من الذكر أكثر من الذي يتوجه إلى هذا الخطيب أو هذا المذكر ببصره فقط أو بسمعه.

هذا أدب نأخذه من هذا الحديث، وإن كان قد سيق في باب الزهد في الدنيا، لكن ههنا أدب من آداب الصحابة مع الرسول عليه السلام، كانوا يجلسون حوله وهو على المنبر.

إذاً: يوم الجمعة ليست السنة أن يقف الناس صفوفاً؛ لأن معنى هذا: إذا قامت الصلاة كانوا متهيئين للصف، وإنما عليهم أن يتحلقوا حول الإمام دوائر، فإذا ما أقيمت الصلاة حينذاك يهتمون بترتيب الصفوف.

هذا بمناسبة قول أبي سعيد الخدري: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله) .