للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الكسوف]

أسباب الكسوف نوعان: نوع شرعي لا يطلع عليه إلا بالوحي، ونوع طبيعي يطلع عليه علماء الفلك ويعرفونه ويقدرونه بحساب لا يزيد دقيقة ولا ينقص دقيقة، وهذا السبب الفلكي معلوم عند العلماء، تكلم فيه العلماء قديماً كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وبينوا أن هذه الأسباب معلومة يعرفها أهل الفلك وعلماء الهيئة - يعني: علماء الفلك - ويقدرونها ستكون في الساعة الفلانية في اليوم الفلاني أو في الليلة الفلانية؛ وذلك لأن جريان الشمس والقمر بتقدير العزيز العليم عز وجل لا يختلف، ولا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، قال الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٣٨-٤٠] .

هذه الأسباب الطبيعية قد لا يتكلم عنها الوحي من الكتاب والسنة بكلام كثير؛ لأنها موكولة إلى العلم وتقدمه، وليست ذات فائدة كبيرة.

أما السبب الثاني - السبب الشرعي - الذي لا يطلع عليه إلا بالوحي فهذا هو المهم، وهذا السبب الشرعي لا يعرفه هؤلاء الفلكيون، بل هم من أجهل الناس به.

السبب الشرعي: هو عقوبات انعقدت أسبابها، ولكن الله سبحانه وتعالى برحمته رفعها عن العباد وخوفهم منها بهذا الخسوف سواء في الشمس أو في القمر فأسبابها عقوبات انعقدت أسبابها، فكسفت الشمس أو القمر تخويفاً للعباد وإنذاراً لهم.

نحن لا يمكن أن ندرك هذا بحساب ولا بتفكير، لا يدرك هذا إلا عن طريق الوحي، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) وكانوا في الجاهلية يعتقدون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو حياة عظيم، وسبحان الله الحكيم العليم صادف كسوف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الذي توفي فيه إبراهيم رضي الله عنه، إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فماذا قال الناس؟ قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فأبطل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه العقيدة، أبطلها إبطالاً تاماً؛ لأن الأفلاك والعالم العلوي لا تتأثر بما يكون في العالم السفلي أبداً، فالأفلاك العليا لا تتأثر بما يكون في العالم السفلي، ولذلك تحدث الحروب والأوبئة وغيرها من الفضائل العظيمة لكن هل تتأثر الأفلاك بذلك؟ لا: تكون الزلازل وتكون الحروب ويكون الفقر والأمراض وغيرها، لكن الشمس هي الشمس، والقمر هو القمر، والنجوم هي النجوم، وسيرها هو سيرها، بل الغمام هو الغمام، والمطر هو المطر، لكن الله عز وجل يحدث في العالم العلوي ما يكون سبباً لتخويف العالم السفلي وهو الكسوف.

أما السبب الطبيعي فهو معلوم عند علماء الفلك يعرفونه بالساعة والدقيقة، والليل والنهار، لكن هذا لا يعنينا كثيراً، والذي يعنينا كثيراً ويهمنا هو الذي لا يعلم إلا عن طريق الوحي وهو السبب الشرعي.