للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية صلاة الكسوف]

أما كيفيتها: فلها زمان ولها مكان ولها هيئة.

زمانها: من حين أن يظهر أثر الكسوف فهناك تشرع الصلاة، فإن قدر أن الكسوف يسير ولم يتبين أي: لم ينكسر به نور الشمس أو القمر فإنها غير مشروعة، حتى لو علمنا من ناحية العلم الفلكي أنه سيكون كسوف ولكن لم يتبين فإنه لا يشرع الكسوف؛ لأنه لا عمل على الحساب، لا بد أن يتبين انكسار النور، فمن حين يتبين يفزع الناس إلى الصلاة إلى أن ينجلي، فإذا انجلى فلا صلاة، فلو قدر أن الكسوف وقع في آخر الليل والناس نائمون، ولما استيقظوا وإذا قد بقي جزء يسير حتى ينجلي، وقد زال أثر الكسوف فهنا لا تشرع الصلاة لأنه زال السبب (انتهى الزمن) وهي لا تقضى إذا فاتت لأنها من ذوات الأسباب، وكل صلاة لها سبب إذا فات سببها فإنها لا تقضى.

أما المكان: فمكانها الجوامع، تصلى في الجوامع، هذا هو الأفضل، لأن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اجتمعوا في مسجد واحد، ولهذا قال العلماء: الأفضل في صلاة الكسوف أن تقام في المسجد الجامع، يعني: الذي تصلى فيه الجمعة، لكن إذا قدر أن المساجد الأخرى فيها عجزة، فيها شيوخ، عندهم كسل، وأقاموا صلاة الكسوف في مساجدهم فلا بأس لأن عمل الناس عليه من زمان قديم، لكن إذا أمكن أن يجتمع الناس في الجوامع فهذا أفضل وأحسن.

أما كيفيتها: فإنها أولاً: لها نداء -أذان- لكنه ليس كالأذان المعتاد، بل يقال: الصلاة جامعة؛ حتى يجتمع الناس، تكرر هذه الكلمة بقدر ما يغلب على الظن أن الناس بلغهم ذلك، يعني: مرتين، ثلاثاً، أربعاً، خمساً، حسب الحال، قد يكون الناس في الليل نائمين فنزيد التكرار، وقد يكون في النهار والنهار ضجة وأصوات وصخب فنزيد في ذلك حسب الحال، لكن الثلاث هي الأصل، وما زاد فبحسب الحاجة، وإنما قلت: إن الثلاث هي الأصل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، وإذا سلم سلم ثلاثاً حتى يُبلغ.

ثم يحضر الناس، ويتقدم الإمام ويصلي بهم صلاةً جهرية حتى في النهار، لأن الصلاة النهارية الأصل فيها أنها سرية؛ لكن إذا كانت صلاةً ذات اجتماع صارت جهرية، كل صلاة يجتمع الناس عليها جميعاً في النهار فإنها تكون جهرية، انظر إلى العيد فإنها جهرية، والجمعة جهرية، والاستسقاء جهرية؛ لأن الناس يجتمعون، فإذا اجتمعوا فإنه من الحكمة أن يكونوا على قراءة الإمام يستمعون إليها جميعاً، فكل صلاة ذات اجتماع عام فإنها جهرية، أقصد في النهار أما الليل فكل صلاة جهرية.

فيكبر ويستفتح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك) وهناك استفتاح آخر: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب -يعني: فلا أفعل الخطايا، اجعلها عني بعيدة- اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس -أي: اجعلني نقياً منها، لا تعلق بي كما لا يعلق الوسخ بالثوب الأبيض- اللهم اغسلني من خطاياي -بعد التنقية غسل لإزالة الأثر نهائياً- بالماء والثلج والبرد) إذاً فليستفتح إما بالأول: (سبحانك اللهم وبحمدك.

إلخ) وإما بالثاني: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي.) .

ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة طويلة طويلة، قدرها الصحابة رضي الله عنهم بنحو سورة البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً طويلاً طويلاً، لكن ماذا يقول في الركوع؟ لأنا فهمنا أنه في القيام يقرأ، لكن في الركوع ماذا يقول؟ يقول: سبحان ربي العظيم، يكررها، ولو كررها ألف مرة، ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) ويقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الركوع: (عظموا فيه الرب) فأكثر من تعظيم الله.

ثم يرفع، وإذا رفع قال: سمع الله لمن حمده حين رفعه ويقول: ربنا ولك الحمد إذا استقام، إلا المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد في حال الرفع، ثم يقرأ الفاتحة وسورةً طويلةً طويلةً لكنها دون الأولى.

ثم يركع ركوعاً طويلاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم يرفع قائلاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ويطيل القيام بقدر الركوع، ماذا يقول في القيام وهو طويل؟ يحمد الله، هذا القيام محل حمد، يقول مثلاً: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ويكرر الحمد: (اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض) وما أشبه ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الركوع (عظموا فيه الرب) هذا في الركوع، ثم في القيام بعد الركوع ما ذكر شيئاً معيناً لكنه عليه الصلاة والسلام جعله محلاً للحمد.

ثم يسجد السجدة الأولى ويطيل ويطيل ويطيل، ويقول: (سبحان ربي الأعلى) لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (اجعلوها في سجودكم) ويكرر الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ - أي: حري - أن يستجاب لكم) أكثر من الدعاء، هذا السجود يكون بقدر الركوع.

ثم يقوم من السجدة الأولى ويجلس بين السجدتين جلوساً بقدر السجود، وماذا يقول؟ يقول: (رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، واجبرني، واهدني) ويكرر من الاستغفار؛ لأن هذا الجلوس جلوس استغفار فليكرر، كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في كل يوم مائة مرة.

ثم يسجد السجدة الثانية ويطيل السجدة، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقرأ فيها، لكن قراءته دون قراءته الأولى، وركوعه دون ركوعه الأول، وقيامه بعد الركوع دون قيامه الأول، وسجوده دون سجوده الأول، وجلوسه بين السجدتين دون سجوده الأول، والسجود الثاني دون السجود في الركعة الأولى، ثم يتشهد ويكمل ويسلم.

فلو انتهت الصلاة والخسوف باق، لم تنجل الشمس أو لم ينجل القمر، فماذا يصنع الإنسان؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف من الصلاة وقد تجلت الشمس، فإذا أنهينا الصلاة والكسوف باق فالباب مفتوح -ولله الحمد- ماذا نصنع؟ نستغفر الله وندعو الله حتى ينجلي.

ثم (حتى ينجلي) هل المراد حتى يزول بالكلية، أو نقول: إذا بدأ الانجلاء فقد زال التخويف؟ ظاهر النصوص أنه إلى الانجلاء نهائياً تبقى تدعو الله، تستغفر الله، تذكر الله، تكبر الله حتى ينجلي.