للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التوكيل في الرمي]

مسألة أخرى: إذا كان الإنسان لا يستطيع زحام الناس ككبير ومريض وامرأة وما أشبه ذلك، فهل له أن يوكل؟ في هذا خلاف بين العلماء: من العلماء من قال: إذا كان لا يستطيع سقط عنه الرمي، أخذاً بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] وهذا لا يستطيع، وأخذاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة وهي أعظم من الحج قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فأسقط عنه القيام مع أنه ركن؛ لأنه عاجز، فمن العلماء من قال: إذا عجز عن الرمي سقط عنه.

ولا شك أننا في هذا الوقت في الزحام الشديد الإنسان الكبير الذكر الرجل القوي لا يكاد يتمكن من الرمي، وربما لا يرمي إلا من بعيد، يمكن تقع الحصاة في المكان أو لا تقع.

والنساء في الواقع أمرهن مشكل، ضعيفات، متحجبات، محتشمات، أحياناً تخرج المرأة بلا عباءة، تسقط عباءتها مع الزحام، وأحياناً قد تكون نشأ فيها حمل فتسقط، وأحياناً تدوخ، وهذا والله لا يأتي به الإسلام؛ لأن الله قال في كتابه العظيم: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ، ويقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨] كيف نحرج أنفسنا والله قد وسع علينا والحمد لله؟! إذا كان الإنسان عاجزاً عن الرمي فمن العلماء من قال: يسقط؛ لأن جميع الواجبات تسقط بالعجز.

ومنهم من قال: فليوكل، واستند إلى حديث هو في السنن: أن الصحابة كانوا يرمون عن الصغار، قالوا: فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم وهم خير هذه الأمة، بل خير الناس كلهم إذا كانوا يتوكلون عن صبيانهم في الرمي دل هذا على جواز الرمي، وهم يفعلون ذلك مع وجود الرسول عليه الصلاة والسلام.

وهذا القول أحوط وأبرأ للذمة: أن من يشق عليه الرمي فليوكل.

الوكيل، هل نقول: ارم الثلاث عن نفسك ثم ارجع أو ارمها كلها في موقف واحد؟ الثاني، في موقف واحد؛ لأن هذا ظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم، لم يقولوا: فكنا نرمي عن أنفسنا ثم نرجع ونرمي عن صبياننا، فترمي سبعاً عن نفسك أولاً ثم عن موكلك في الأولى، ثم في الثانية كذلك ثم في الثالثة.

مسألة أيضاً: إذا وكل الإنسان من يرمي عنه، فهل يجوز أن يخرج من منى قبل أن يرمي الوكيل؟ الظاهر نعم يجوز؛ لأن بقاءه في منى إلى ما بعد الزوال إنما هو من أجل الرمي، والرمي الآن سقط عنه وتعلق بالوكيل فله أن يخرج، لكن ليس له أن يطوف طواف الوداع حتى يرمي الوكيل، وعلى هذا فليحدد وقتاً معيناً، يقول لوكيله: متى تظن أنك تنتهي من الرمي؟ قال: أظن أنني أنتهي من الرمي الساعة الثانية، فإذا تمت الساعة الثانية حينئذٍ يطوف للوداع ولا حرج، هذا إن لم يكونوا قد تواعدوا أن يكون طواف وداعهم وهم جميع، فهنا ينتظر حتى يأتي رفقته ويطوفون جميعاً.

ولعلنا نقتصر على هذا القدر.