للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ.)

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:٦٥] مع كونهم يبيتون لله سجداً وقياماً يخافون من النار {يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:٦٥] ؛ لأنهم لا يفخرون ولا يمنون بعملهم على الله، يؤمنون بأن العمل لهم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [فصلت:٤٦] يرون أن لله المنَّة عليهم حينما هداهم لهذا العمل، ولهذا وصفهم الله تبارك وتعالى في آية أخرى بأنهم {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٨] انظر! يقومون آخر الليل يستغفرون الله؛ لأنهم يرون أنهم مقصرون، مهما عمل الإنسان من العبادة والطاعة فلم يؤدِ حق الله عز وجل عليه، إذا عملت بالطاعة فلله عليك حق أن تشكره عليها؛ لأن الطاعة نعمة، وإذا شكرت الله على هذه النعمة لزمك حق آخر تشكره مرة ثانية على هذا الشكر، وإذا شكرته الثالثة لزمك حق رابع، ولهذا قال الشاعر قولاً حميداً:

إذا كان شكري نعمة الله نعمةً عليَّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر

اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:٦٥] جهنم اسم من أسماء النار، ولها أسماء كثيرة، أعاذني الله وإياكم ووالدينا ومشايخنا منها إنه على كل شيء قدير.

((رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)) [الفرقان:٦٥] كأن عذاب جهنم مقبل عليهم، فيقولون: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:٦٥] أي: كان لزاماً بمنزلة لزوم الغريم للمدين، أي: ملازم لها، أجارنا الله وإياكم منها! وهذه الملازمة إنما هي لمن يستحق الملازمة وهم الكفار، أما المؤمن فهو وإن فعل معاصٍ يستحق بها أن يعذب في النار فهناك شيء آخر وراء هذا وهو رحمة الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] أبشر يا أخي المؤمن، أمِّل بربك خيراً، مهما عظمت الذنوب ولكنها دون الشرك فهي تحت المشيئة، لكن لا يغرنك هذا فتأمن من مكر الله وتستمر على المعاصي، وتقول: الحمد لله! الله غفور رحيم، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] بعض الناس يغرهم هذا الحلم من الله عز وجل، ولكننا نقول لهؤلاء: إن الله تعالى لم يقل: ويغفر ما دون ذلك، بدون أن يقول: لمن يشاء، فهل أنت على يقين أنك تحت المشيئة أن الله يشاء أن يغفر لك؟ لا، لست على يقين، هذا أمر مبهم لا نعلمه، فلا تأمن مكر الله ولا تقنط من رحمة الله.