للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (

فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.)

قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] (اسعوا) أي: ائتوا مبادرين، وليس المعنى: ائتوا راكضين، لا يمكن أن تأتي وأنت تركض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) إذاً: المراد بالسرعة هنا المبادرة في الحضور إلى ذكر الله، وذكر الله هو الخطبة والصلاة؛ لأن الخطبة تلي الأذان، والله عز وجل يقول: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] ولأن الخطبة فيها ذكر الله؛ ففيها حمد وثناء على الله، وشهادة له بالتوحيد، وشهادة للنبي بالرسالة، وموعظة للمؤمنين، فهي ذكر لله عز وجل.

ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم حال خطبة الجمعة؛ لأنه مأمور بأن يأتي إلى هذا الذكر، فكيف يأتي ويتلهى عنه؟ إذاً: يجب أن ننصت لهذه الخطبة وجوباً، فإن تكلم فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً) والأسفار هي كتب علمية يحملها الحمار، أتظنون أن الحمار ينتفع بها؟! لا أبداً، الحمار أبلد الحيوانات، لا ينتفع بالكتب التي على ظهره ولا التي أمامه، وهذا الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً.

وقد مثل الله اليهود بالحمار يحمل أسفاراً، قال تعالى:: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ} [الجمعة:٥] إذاً: الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب مشابهٌ لليهود، وأي مسلم يرضى أن يكون مشابهاً لليهود؟! لا أحد.

فإن تكلم وقال له آخر: اسكت، فقد لغا، أي: ضاعت عليه جمعته، ما كأنه صلى الجمعة ولا ينال أجر الجمعة حتى لو كان مغتسلاً متطيباً متقدماً إلى المسجد خاشعاً متخشعاً، إذا قال لمن يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب: اسكت، فقد ضاعت عليه الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) فإن أشار إليه إشارة بيده فلا يلغو؟ لا يلغو؛ لأن اللغو رتب على القول لا على الإشارة.

وإذا قال قائل: هل هذه الآية تشمل ما إذا سمعت مؤذناً يؤذن للجمعة ولكنك تريد أن تصلي في مسجد آخر ومسجدك الذي تريده لم يؤذن فيه، فهل يجب عليك أن تسعى لما سمعت مؤذن المسجد الآخر؟

الجواب

لا، كما أنه لا يجب عليك أن تستمع لخطبته لأنك لا تريد الصلاة معه، فمثلاً: إذا قدرنا أنك تريد أن تصلي الجمعة في الجامع الكبير هنا، وسمعت مؤذناً في طرف البلد يؤذن للجمعة لحضور إمامه، هل يلزمك إذا شرع في الخطبة أن تسكت؟ لا يلزمك، حتى لو كنت تسمع سماعاً تاماً لأنك لا تريد أن تصلي معه، فلست مأموراً بأن تذهب إليه.

{إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] الصلاة، والتكبير، والاستعاذة بالله، وقراءة القرآن، كل هذا من ذكر الله.