للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم زكاة الحلي]

السؤال

امرأة عندها حلي من الذهب يبلغ النصاب هل يجب عليها أن تزكيه أم لا؟

الجواب

هذا فيه خلاف بين العلماء، بعضهم يقول: لا زكاة فيه؛ لأن هذا يستعمل للباس فهو كالثياب التي على الإنسان لا زكاة فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فهي حوائج معدة للإنسان يستعملها المرء للتجمل كالثياب فلا زكاة فيها.

وقال آخرون: تجب الزكاة إذا بلغ النصاب؛ لأن الأدلة عامة لم يخصص منها شيء، والواجب على الأمة الإسلامية في نصوص الكتاب والسنة أن تتبع عموم الكتاب والسنة، فإذا كان عاماً عممت الحكم، وإن كان خاصاً خصصته، ولا يمكن لأي إنسان أن يثبت أن الحلي لا زكاة فيه وأنه مستثنى، فليس في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الأمة ولا في القياس الصحيح دليل على انتفاء وجوب الزكاة في الحلي، والأدلة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وكلها ليس فيها دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، وجزى الله شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله خيراً فقد كنا نقلد المذهب في هذه المسألة ونقول: الحلي المعد للبس ليس فيه زكاة، حتى قدر الله عز وجل أن ندرس في الرياض في المعهد العلمي، وندرس على يد الشيخ/ عبد العزيز رحمه الله في بيته أو في المسجد، فمرت بنا هذه المسألة فرأيناه يرى وجوب زكاة الحلي، وألف بذلك رسالة في وجوب الزكاة، فقلنا له: ما دليلك يا شيخ؟ قال: الدليل العمومات والخصوصات، العموم القرآن والسنة: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:٣٤] قال أهل العلم: معنى كنزها ألا تؤدي زكاتها، حتى لو كانت على ظهر جبل فهي كنز، وما تؤدى زكاته ولو كان في قعر الأرض فهو ليس بكنز، وقال أيضاً رحمه الله -وذكره في رسالته- حديث أبي هريرة في مسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه -أي: وجهه- وظهره وجنبه كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) وتقرير هذا الدليل أن يقال: هل المرأة التي تملك الحلي هل يقال: إنها صاحبة ذهب أو فضة؟ الجواب: نعم، يقال بلا شك، إذاً تدخل في عموم الحديث.

وقال أيضاً رحمه الله: هناك دليل خاص وهو ما أخرجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان -أي: سواران- قال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟) الجواب: لا يسرها، كأنه قال: إن لم تؤدِ زكاته سورك الله بهما سوارين من النار (فخلعتهما من ابنتها وألقتهما للرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا دليل خاص، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن إمامنا الإمام أحمد بن حنبل، وقد قيل: إنه في العصور الوسطى كان على مذهب أبي حنيفة ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية؛ لأن الخلفاء في الدولة العثمانية كلهم على مذهب الأحناف والناس على دين ملوكهم.

على كل حال: الحق لا يعرف بالكثرة، صحيح أن كثرة العلماء مرجحة بلا شك، لكن إذا وجد الدليل فهو الإمام ولا قول لأحدٍ بعده، لكن هؤلاء الذين قالوا: يقاس على الثياب.

الجواب: هذا القياس فاسد من وجهين: الوجه الأول: أنه في مقابلة النص، فالنص يدل على وجوب الزكاة، فكيف تقيس شيئاً تبطل به نصاً؟! لا يمكن هذا، ولهذا يسمي العلماء القياس المعارض للنص: فاسد الاعتبار، أي: اعتباره فاسد ولا قيمة له.

ثانياً: أن هذا القياس غير صحيح، الذهب والفضة ما هو الأصل فيهما؟ وجوب الزكاة، والثياب الأصل عكس هذا، وهو عدم وجوب الزكاة، فكيف يقاس شيء الأصل فيه الوجوب على شيء الأصل فيه عدم الوجوب؟ هذا لا يستقيم.

ثم هو قياس متناقض، يقولون: لو كان عند المرأة دنانير ذهب تعدها للنفقة ففيها الزكاة، وإن كانت لا تعدها ففيها زكاة أيضاً على قول هؤلاء، ويقولون في الحلي: إن أعد للنفقة ففيه الزكاة وإن أعد للبس فلا زكاة فيه، والقياس يقتضي أن يتساوى الأصل والفرع.

على كل حال لا أحب أن أطيل في هذه المسألة، المسألة خلافية، من العلماء من قال: تجب، ومنهم من قال: لا تجب، وإذا كنا نخشى أن نقف بين يدي الله يوم القيامة فلا شك أن الاحتياط لنا أن نزكي هذا.