للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الحج]

ماذا نفعل في اليوم الثامن؟ نغتسل في المكان الذي نحن فيه ونتطيب ونلبس ثياب الإحرام، ونقول: لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ونبقى في منى نصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، فإذا طلعت الشمس فقد انتهى عمل اليوم الثامن.

ماذا نعمل في اليوم التاسع؟ إذا طلعت الشمس فإن الحاج يسير إلى عرفة، فإن تيسر له أن ينزل في نمرة وهي مكان معروف فليفعل، وإن لم يتيسر فليستمر حتى يصل إلى عرفة وينزل في أي مكان كان من عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في عرفة وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فيقف في أي مكان لكن لا بد أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة، وقد وضعت الدولة وفقها الله علامات واضحة بارزة تحدد عرفة، ولا تغتر بمن ينزل قبل الحدود ولو كثروا، بل سر حتى تتيقن أنك دخلت في حدود عرفة، وتبقى في عرفة فإذا زالت الشمس، فأذن وصل الظهر ركعتين والعصر ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بطن عرنة الظهر ركعتين والعصر ركعتين وجمع بينهما جمع تقديم، فاتبع نبيك، ثم بعد هذا تتفرغ للذكر والدعاء وقراءة القرآن، ولو أن تكرر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لو تكررها من صلاة العصر المجموعة مع الظهر إلى غروب الشمس لكان هذا خيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مع أن أكثر المسلمين عندهم أذكار أخرى، عندهم القرآن، عندهم دعاء، يدعون الله بما شاءوا من خير الدنيا والآخرة، هذا مكان دعاء وزمان دعاء، ادع الله بما شئت ولا سيما في آخر اليوم.

إذاً: ماذا فعلنا في اليوم التاسع؟ صلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً، التفرغ للدعاء والذكر، فإذا لحقك ملل؛ لأن الإنسان قد يمل من الظهر إلى المغرب، إذا لحقك ملل فلا بأس أن تعطي نفسك حظها من الراحة إما بنوم أو بمطالعة كتاب أو ببحث مع إخوانك فيما ينفع بدون جدال، وينبغي إذا أراد الإنسان أن يقرأ كتاباً في هذا اليوم، أن يحرص على الكتب التي ترقق القلوب وتستدعي الخشوع؛ لأن المقام يقتضي ذلك.

وبعد غروب الشمس فقد انتهى العمل في عرفة، فيسير الحاج منها إلى مزدلفة ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً -والتي تقصر هي العشاء، أما المغرب فلا تقصر- وينام في مزدلفة إلى أن يطلع الفجر، ثم إذا طلع الفجر صلى الفجر بعد الأذان، وسنة الفجر يصليها ولا يتركها، يصلي الفجر ويبقى يذكر الله عز وجل إما في مكانه؛ أو إن تيسر له أن يذهب إلى المشعر الحرام الذي فيه المسجد اليوم فليفعل، وإن لم يتيسر ففي مكانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت هاهنا وجمع -يعني مزدلفة - كلها موقف) حتى يسفر فإذا أسفر جداً دفع قبل أن تطلع الشمس.

إذاً: ماذا نفعل في هذه الليلة؟ نتوجه من عرفة إلى مزدلفة ونصلي فيها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ونبيت إلى أن يطلع الفجر ثم نصلي الفجر بعد الأذان وركعتي الفجر، ثم بعد ذلك نبقى في مزدلفة إلى الإسفار جداً نذكر الله عز وجل ونستغفره، ثم ندفع إلى منى، وهنا نسأل هل يجوز أن ندفع من مزدلفة قبل الفجر؟ نقول: نعم.

يجوز لكن في آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترقب القمر فإذا غاب مشت إلى منى، فيجوز أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل، يعني: حول الساعة الثانية من الليل أو قريباً من ذلك، ولكن الأفضل أن تبقى في مزدلفة حتى تصلي الفجر وتذكر الله عز وجل، ثم تنصرف إلا إذا كان معك نساء أو صغار أو ضعفاء يشق عليهم مزاحمة الناس فانصرف أنت وإياهم قبل الفجر؛ لأجل أن تصلوا إلى منى قبل الفجر فترموا جمرة العقبة قبل أن يحصل الزحام من القادمين من مزدلفة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء ولا سيما الضعيفات أن ينصرفن من مزدلفة في آخر الليل.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبعث بأهله من مزدلفة في آخر الليل حتى يوافوا منى في صلاة الفجر، أما هو فيبقى في مزدلفة فيرموا الجمرة هناك قبل الفجر أو مع الفجر، وهذا هو فائدة الترخيص، أن يرخص للناس الضعفة في الدفع في آخر الليل، وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في أغيلمة بني عبد المطلب وقال أُبَيْنيَّ لا ترموا حتى تطلع الشمس) فهذا حديث اختلفت العلماء في صحته، فمنهم من ضعفه وقال: لا حجة فيه، ومنهم من صححه، وعلى القول بالتصحيح يكون هذا النهي من باب التنزيه والأولى لا من باب التحريم، إذ أننا لا نعلم أن للتقدم من مزدلفة فائدة إلا أن يرمي الإنسان قبل حطمة الناس، ثم إن رمي جمرة العقبة يكون من أول ما يأتي الإنسان إلى منى، ولهذا قال بعض العلماء: رمي جمرة العقبة تحية منى، كما أن الركعتين تحية المسجد، ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله، أي: ما نزل في رحله، بل مشى (على طول) سلك الطريق الوسطى التي تخرج على جمرة العقبة، ثم رماها وهو على بعيره، مما يدل على أن الأفضل لمن وصل إلى منى سواء كان بعد طلوع الشمس أو في آخر الليل أن يبادر بالرمي وهو كذلك.

ولننظر ماذا نفعل يوم العيد وهو أكثر الأيام أنساكاً، ولهذا يسمى يوم الحج الأكبر.

إذا وصل الحاج إلى منى فماذا يبدأ به؟ يبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، حتى يتم سبع حصيات، ولا يشترط أن تصيب الحصاة الشاخص -العمود القائم- لأن هذا العمود إنما جعل علامة على المكان، الشرط الذي لا بد منه أن تقع الحصاة في الحوض في المرمى، أما أن تضرب العمود القائم فليس بشرط، بعد رمي جمرة العقبة نذبح الهدي، وبعد ذبح الهدي نحلق ثم نتحلل ونتطيب وننزل إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي، والطواف هنا طواف الحج؛ لأن طواف العمرة سبق والسعي سعي الحج؛ لأن سعي العمرة قد سبق، ثم نرجع إلى منى ونبقى فيها، وحينئذ نجد أن الحاج يفعل يوم العيد خمسة أنساك: الأول: رمي جمرة العقبة.

الثاني: النحر.

الثالث: الحلق والتقصير.

الرابع: الطواف.

الخامس: السعي.

والأفضل أن ترتبها هكذا، فإن قدمت بعضها على بعض فلا حرج عليك؛ فالأمر واسع، حتى لو قدمت السعي على الطواف فإن ذلك جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل في الرمي والتقديم والتأخير فما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) وهذا من توسيع الله عز وجل على العباد أن جعل كل واحد يفعل ما يتيسر له، حتى لا يجتمع الناس على شيء واحد فيتضايقوا، ولهذا تجد الناس يوم العيد متفرقين، هذا يرمي، وهذا ينحر، وهذا يطوف، وهذا يسعى حتى يتسع المجال للأعمال.

إذاً نرجع إلى يوم العيد، ماذا يصنع الحاج يوم العيد؟ يدفع من مزدلفة إلى منى، فيرمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق والتقصير، ثم الطواف والسعي، والأفضل أن تكون مرتبة هكذا وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج.