للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل تتعلق بالحج]

أما الأمر الثاني مما أريد أن أتكلم عليه فهو: أن من حكمة الله عز وجل أنه لما انقضى زمن ركن من أركان الإسلام دخل زمن ركن آخر، انقضى رمضان وهو وقت أداء ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، وفي تلك اللحظة التي خرج فيها رمضان دخلت شهور الحج، نحن الآن في أشهر الحج، لأن أشهر الحج تدخل بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وهذه من حكمة الله، حتى نشعر بأن أوقاتنا كلها معمورة بطاعة الله عز وجل، انقضى فرض الصيام جاء فرض الحج.

والحج واجب على كل مسلم، لكن من رحمة الله ولطفه أنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، ولو كان الإنسان من أغنى عباد الله فإنه لا يلزمه أن يحج إلا مرة واحدة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج مرة فما زاد فهو تطوع) .

ولا يجب الحج إلا على القادر، العاجز لا يجب عليه الحج، فإذا قدرنا أن إنساناً فقيراً ليس عنده شيء، فهل يلزمه أن يحج؟ أي: هل يلزم أن يقترض ليحج؟

الجواب

لا.

ولو لاقى ربه قبل أن يحج للاقى ربه وقد تمت أركان إسلامه؛ لأن الركن الخامس الذي هو الحج لا يجب عليه حين يعجز عنه.

وهل يجب على الإنسان إذا كان مريضاً أن يحج؟ الجواب: لا، ولو كان عنده مال، لكن إن كان مرضه يُرجى زواله فلينتظر حتى يشفى ويحج بنفسه، وإن كان مرضه لا يُرجى زواله وعنده مال فليوكل من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) فصار العاجز عن الحج لمرض إن كان يرجو زوال مرضه انتظر، وإلا وكل من يحج عنه إذا كان عنده مال، أما من لا مال عنده فليس عليه حج.

امرأة عندها مال، لكنها لم تجد محرماً يحج بها، هل عليها الحج؟ لا.

حتى لو كانت من أغنى النساء، ولكن ليس لها محرم فلا تحج.

أما إذا كان لها محرم وقالت له: حج بي وأنا أكفيك النفقة كلها، هل يلزمه أن يحج معها؟ الجواب: لا يلزمه، اللهم إلا إذا كان لم يؤدِ الفريضة وأعطته مالاً يكفيه للحج، فهنا نقول: يجب عليه الحج من أجل أنه لم يأتِ بالفريضة لا من أجل أن يكون محرماً لها، وتصحبه في هذه الحالة.

إذاً: هل تحزن المرأة إذا كان عندها مال ولم تجد محرماً على أنه فاتها الحج؟ الجواب: لا تحزن ولا تخشى العقوبة؛ لأنه لم يجب عليها الحج، ولو لاقت الله عز وجل للاقته بغير ذنب فيما يتعلق بالحج.

إنسان عنده مال، لكن عليه دين يطالبه به صاحبه، عنده -مثلاً- خمسة آلاف يمكن أن يحج بها، لكن صاحب الدين يقول: أعطني، هل يجب عليه الحج؟ لا.

لأن عليه ديناً، ولا حج عى الإنسان إذا كان عليه دين وليس عنده ما يفضل عن الدين؛ لأن الله تعالى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:٩٧] .

وكثير من الناس ربما يستدينون من أجل الحج، وهذا غلط، ليس هذا من الشرع أن تستدين من أجل الحج، الحج ليس واجباً عليك، أرأيت لو كان إنسان فقيراً هل تجب عليه الزكاة؟ الجواب: لا تجب، أنت الآن لا يجب عليك الحج؛ لأنك لا تستطيع، فلماذا تندم؟ ولماذا تحزن؟ ولماذا تتكدر؟ لا تتكدر يا أخي ليس عليك شيء.

إذا كان على الإنسان دين وفي يده مال، ويغلب على ظنه أنه إذا حلَّ الدين كان عنده ما يوفي به، مثلاً: صندوق التنمية العقارية، كثير من الناس عليهم ديون لصندوق التنمية، لكنهم واثقون من أنفسهم أنهم إذا حل القسط سوف يوفونه، وعندهم الآن مال يستطيعون الحج به، هل يجب عليهم الحج؟ الجواب: نعم.

يجب عليهم الحج؛ لأنهم مستطيعون، أما إذا قال: أنا لست واثقاً أن أوفي إذا حل القسط، وأنا الآن أجمع، فهذا ليس عليه حج؛ لأنه مدين.

كثير من الناس يقول: أرأيت إذا سمح لي صاحب الدين أأحج؟ نقول: لا.

ولو سمح لك صاحب الدين؛ لأنه إذا سمح لك لم يسقط عنك شيئاً.

أما لو قال: حج وأنا أسقط عنك مقدار نفقة الحج فحينئذٍ نقول: حج، وأما إذا قال: أنا أطالبك ولكني أرخص لك أن تحج ما الفائدة؟ لا فائدة، ولهذا كثير من الناس يسأل ويقول: إن صاحب الدين قد أذن لي، نقول: ليست العلة أن يأذن أو لا يأذن، العلة أن ذمتك مشغولة، وشغل الذمة بالدين أمر عظيم.

لو أحدثكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قدمت إليه جنازة، صحابي من الأنصار، فلما خطا خطوات سأل: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم.

يا رسول الله! قال: إذاً صلوا على صاحبكم -ولم يصل عليه، تأخر- حتى قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق الغريم وبرأت ذمة الميت؟ -أي: تلتزم للغريم تبرأ ذمة الميت- قال: نعم.

فتقدم وصلى) يعني: الدين إلى هذا الحد يمتنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الصلاة على المدين إذا لم يكن له وفاء، ونحن نتساهل به الآن، يعتمر الإنسان وعليه دين، يحج وعليه دين، يفرش بيته بفراش فاخر وعليه دين، يشتري سيارة فاخرة وعليه دين، تجده يشتري سيارة بأربعين ألف ريال، وهو يمكن أن يجد سيارة تكفيه بعشرة آلاف، أليس كذلك؟ بل إني سمعت بعض الناس يشتري بأكثر من أربعين ألف سيارة ويكفيه عشرة آلاف، هذا من السفه في العقل، لا تستهن بالدين أبداً، الدين صعب، ولهذا يقال: إن الدين ذل في النهار وسهر في الليل، لكن للإنسان العاقل، أما الذي لا يبالي فهذا لا يبالي.

ونسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير.