للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الحج]

أما الحج فهو أن يقصد الإنسان بيت الله عز وجل ليؤدي مناسك الحج، نذكر صفته على وجه الإجمال: تخرج من بيتك مريداً للحج والعمرة من البيت، من أجل أن تكون خطواتك في طاعة الله، إذا وصلت إلى الميقات أول ميقات تمر به تحرم منه، وعند الإحرام تغتسل وتتطيب وتلبس ثوب الإحرام، وإذا كنت قريباً من مكة -أي: قريباً من الميقات- يمكنك أن تصل في نهارك وخفت أن يكون المكان زحاماً واغتسلت في بيتك فلا بأس، لكن لا تلبس ثياب الإحرام إلا في الميقات، إذا لبست ثياب الإحرام فصل صلاة الفريضة إن كانت حاضرة، أو صلاة الوضوء إذا لم تكن فريضة، ثم تنوي فتقول: لبيك عمرة، أنت تقول: لبيك عمرة وأنت تريد الحج هذا العام، وتمضي حتى تصل إلى البيت، فتطوف سبعة أشواط تبدأ بالحجر الأسود وتنتهي بالحجر الأسود.

وفي هذا الطواف يسن للرجل سنتان: السنة الأولى: الرمل، والسنة الثانية: الاضطباع، فأما الرمل فهو أن يسرع المشي مع مقاربة الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والأربعة الباقية يمشي فيها على عادته، والثلاثة الأشواط الأولى إذا كان المطاف زحاماً فليمش على ما يكون في راحة له وللطائفين، فإذا أتم سبعة أشواط صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد، ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] قبل أن يصعد على الصفا، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس هذا موضع الذكر أخشى أن يطول الوقت.

ثم ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة، فإذا وصل إلى العلم الأخضر -العمود الأخضر- الذي فوقه نجفات خضراء سعى -أي: ركض ركضاً شديداً- إلى العلم الآخر، هذا إن تيسر وإلا فلا يشق على نفسه ولا على غيره، ثم يمشي مشيه المعتاد إلى المروة، ثم يصعد المروة ويتجه إلى القبلة، ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، فهذا شوط.

ثم ينزل إلى المروة ويمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه ويقول على الصفا ما قاله في أول مرة، حتى يتم سبعة أشواط، يبدأ بـ الصفا وينتهي بـ المروة، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ثم بعد هذا يقصر من شعر رأسه، من جميع الرأس لا من جانب أو جوانب، بل من جميع الرأس، ثم يحل من عمرته حلاً تاماً تاماً، يلبس الثياب العادية ويتطيب ويتمتع بأهله إن كانوا معه، ويحل من كل شيء حرم عليه بالإحرام، فيبقى كذلك محلاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فيحرم في اليوم الثامن ضحىً قبل الظهر بالحج، ويغتسل كما يغتسل بالعمرة، ويتطيب في بدنه دون ثيابه، ويبقى في منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة وينزل بنمره إن تيسر له، وهي قرية قرب عرفة وليست من عرفة، فإذا زالت الشمس سار إلى عرفة، وإذا لم يتيسر له ذلك، فإنه يذهب من منى إلى عرفة رأساً ويمكث فيها حتى يأتي وقت الظهر فيصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع هنا جمع تقديم، ثم يتفرغ للدعاء ويلح بالدعاء ويستقبل القبلة رافعاً يديه، ويجتهد في الدعاء والذكر والقرآن وكل ما يكون نشيطاً عليه، وإذا حصل له ملل أو كسل كما هو الغالب في وقتنا هذا فإنه لا بأس أن يتكلم فيما ينشطه، لكن ليحرص على أن يكون آخر اليوم متفرغاً للدعاء والذكر، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ثم بعد أن يصلي المغرب والعشاء والوتر ينام إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر صلى الصبح مبادراً بها، فيصلي سنة الفجر وصلاة الفجر، ويبقى هناك -أي: في مزدلفة - إلى أن يسفر جداً -أي: يبين السفر تماماً- ثم ينطلق من مزدلفة إلى منى، وللإنسان الضعيف أو من يصاحب الضعيف أن ينصرف من مزدلفة في آخر الليل، كالرجل الذي معه نساء يحب أن يذهب إلى منى من أجل أن يرمي الجمرات قبل أن يأتي الناس فليذهب إلى منى، وله أن يرمي من حين أن يصل إلى منى ولو كان قد بقي على الفجر ساعة أو ساعتين، لكن متى ينصرف من مزدلفة؟ قيل: ينصرف إذا انتصف الليل، وقيل: ينصرف إذا غاب القمر -أي: إذا مضى من الليل ثلثاه- وهذا هو الأقرب، المهم وصلنا إلى منى، أول ما يفعل يرمي جمرة العقبة، وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ومن أين يأخذ الحصاة؟ من أي مكان، من منى من الطريق بين منى ومزدلفة، من مزدلفة من أي مكان، يأخذ سبعاً فقط، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف فينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل، ثم يحل من كل شيء حرم عليه إلا النساء، ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة وهو طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة.

ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليلتين، الحادية عشرة والثانية عشرة، وبعد الزوال من اليوم الحاد عشر وبعد الزوال من اليوم الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث: الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، كل واحدة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، لكنه بعد الأولى يقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، وكذلك بعد الثانية، أما بعد جمرة العقبة فلا يقف.

ولنرجع إلى يوم العيد، فيوم العيد حين وصلنا إلى منى كم عملنا؟ أولاً: رمي الجمرات.

ثانياً: النحر.

ثالثاً: الحلق أو التقصير.

رابعاً: الطواف.

خامساً: السعي.

هذا هو الترتيب الأفضل، فإن قدم بعضها على بعض فليس عليه حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في هذا اليوم عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) فإذا رمى الجمرات الثلاث يوم الثاني عشر فله أن يتعجل وينهي الحج، وله أن يبيت ليلة الثالثة عشرة ويرمي اليوم الثالث عشر كما رمى يوم الثاني عشر والحادي عشر، وإذا أراد الخروج إلى أهله من مكة فلا يخرج حتى يطوف للوداع عند خروجه سبعة أشواط بثيابه التي عليه -العادية- وبدون رمل وبدون سعي، إلا المرأة الحائض أو النفساء فإنه لا وداع عليها.

وبهذا ينتهي الحج والعمرة على الوجه الذي هو أكمل الأنساك.

نسأل الله تعالى أن ييسر لنا ولكم الخير أينما كنا، وأن يوفقنا جميعاً للإخلاص لوجهه والاتباع لرسوله، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة، نسأل الله أن يوفقنا فيها للصواب.