للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة صلاة الكسوف]

ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس وكان كسوفها كلياً، وكان بعد ارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين، أي: بعد ثلثي ساعة تقريباً من طلوعها، وكان اليوم شديد الحرارة، فزع النبي عليه الصلاة والسلام فزعاً عظيماً، وقام مسرعاً حتى لحق بردائه، وخرج إلى الناس وأمر منادياً ينادي: الصلاة جامعة.

فاجتمع المسلمون رجالاً ونساءً في المسجد ينظرون ماذا يفعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أنه إذا كان الكسوف كلياً في الشمس فإن الدنيا سوف تظلم، وقيل: الصلاة جامعة.

فاجتمع المسلمون وقام بهم النبي صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً، وصلى صلاةً غير معهودة لماذا؟ لأنه لما كان الكسوف غير معهود كانت الصلاة غير معهودة، فلهذا قيل: آية شرعية لآية كونية، ما هي الآية الشرعية؟ الصلاة، لأنه لا نظير لها في الصلوات، لآية كونية: وهي كسوف الشمس الذي حصل.

قرأ قراءة طويلة حتى إن الصحابة على قوتهم في دين الله، وشدة أجسامهم، بعضهم صار يخر، يغشى عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام في آخر عمره ومع ذلك بقي قائماً القيام الأول بمقدار سورة البقرة، كم البقرة؟ جزآن ونصف تقريباً، ومع ذلك بقي يقرأ عليه الصلاة والسلام، ثم ركع ركوعاً طويلاً طويلاً، ثم قام وقرأ الفاتحة وسورةً طويلة لكنها دون الأولى، وهذا من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام، يبدأ الصلاة بالطول ثم يقصرها؛ لأن الناس إذا ابتدءوها بالطول ربما يلحقهم كسل أو ملل أو عجز وتعب، فصار أول الصلاة طويلاً وآخرها قصيراً، حتى في الصلوات الخمس يطيل الركعة الأولى في الظهر أكثر من الثانية، وكذلك من العصر، وكذلك من الفجر لهذه الحكمة.

ثم قرأ قراءةً طويلة دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الأول، ثم قام وقال: سمع الله لمن حمده، وقام قياماً طويلاً نحواً من ركوعه إلا أنه لم يقرأ، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم جلس بين السجدتين جلوساً طويلاً، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم قام إلى الثانية وصنع كالأولى إلا أنها أخف منها.

وانصرف وقد تجلت الشمس، وتعلمون أن الكسوف إذا كان كلياً تطول مدته، لكن الرسول أطال الصلاة.