للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور ينبغي مراعاتها في أداء مناسك الحج والعمرة]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في هذا العام (١٤١٣هـ) الذي حصل بعد موسم الحج، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا عامنا هذا بالمغفرة والعفو والرضوان، وأن يختم حياتنا بالتوحيد والإيمان.

إننا نذكركم نعمة الله سبحانه وتعالى على الحجاج في هذا العام، فإن هذا العام ولله الحمد من أيسر الأعوام على الحجاج، بالنسبة للسير ولتهيئة المشاعر وللجو اللطيف الذي لم يكن فيه مشقة.

ونذكركم أيضاً بأن الحج نوعٌ من الجهاد في سبيل الله فلا بد فيه من المشقة، وكثير من المترفين التالفين إذا رأوا أدنى مشقة عليهم خرجوا من النسك وتحللوا منه ورجعوا إلى بلادهم، وكأنهم يريدون أن يكون النسك نزهة، كما يخرجون إلى المنتزهات والأودية والرمال ورءوس الجبال، وهذا من سفههم، فإن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم.

جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه، حيث قال عز وجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة:١٩٥-١٩٦] ولهذا كان من شَرَع في الحج أو العمرة ولو كان نفلاً لزمه إتمامهما، كما أن من شرع في الجهاد والتقى الصفان فإنه لا يحل له أن يفر، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:١٥-١٦] .

كما أذكركم بأن الحج عبادة عظيمة ومسئولية كبيرة، فلا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بحيث يخرج إليها وهو لا يعلم شيئاً عن واجباتها وأركانها ومحظوراتها؛ لأنه يخطئ، فإذا أخطأ ثم جاء يسأل عن هذا الخطأ بعد أن وقع فربما يكون خطأً لا يمكن تلافيه، ونضرب لهذا مثلاً: بعض الناس عندما رأى الزحام في المطاف صار يدخل ما بين الحِجر والكعبة؛ لأنه أقصر وأسهل، وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن الإنسان إذا فعل ذلك فإن شوطه الذي حصلت فيه هذه المخالفة غير صحيح، وإن كان هذا العام -كما ذكر لي- قد وضع المسئولون على باب الحِجر من الناحية الشرقية شباكاً بحيث لا يتجاوزه أحد، ولكن ربما يكون هناك غفلة من بعض الناس فيزيح هذا الشباك ويدخل.

فالمهم أن يحتاط الإنسان لهذا النسك قبل أن يدخل فيه، وأن يحتاط لهذا النسك بعد الدخول فيه، فإذا وقع في شيء يرى أنه مخالف فعليه أن يبادر بالسؤال عنه ما دام في مكة، حتى يسهل عليه تلافي الخطأ وتكميل النسك، ولا يسأل إلا من يطمئن إلى علمه وأمانته، كما أن المريض لا يذهب إلى أي شخص كان ليعالجه؛ بل لا يذهب إلا إلى من يرجو منه المعالجة الصحيحة السليمة.

فكذلك في مسائل العبادة لا يجوز للإنسان أن يسأل إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للإجابة؛ لكونه يعرف أنه عالم وأمين وثقة، حتى يكون على بصيرة من أمره، وما أكثر الذين يبلغنا عنهم إجابات في الحج والعمرة لا أساس لها، لا من السنة ولا من أقوال أهل العلم، بل هي خطأ محض، لكن العامي كالغريق يتشبث بكل شيء، فإذا وجد من يرى أنه من أهل العلم إما لهيئته أو لباسه أو ما أشبه ذلك ذهب يسأله مع أنه جاهل فيضله.

كل هذه مسائل يجب على الإنسان أن يلاحظها ليس في الحج فقط؛ بل في الحج والصيام والزكاة والصلاة والطهارة وغيرها، حتى يعبد الله على بصيرة.