للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين)]

قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] ؛ يقومون من قبورهم حفاةً ليس لهم نعال ولا خفاف، عراة ليس عليهم ثياب؛ لا قمص ولا سراويل ولا أزر ولا أردية، غرلاً، أي: غير مختونين، بمعنى أن القلفة التي تقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها، كما قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤] ويعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى، وأنه يُعيد الخلق كما بدأه.

والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول، وتكون عرضةً للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:٤٢-٤٣] .

المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف: (حفاةً عراةً غرلاً) وفي بعض الأحاديث: (بُهماً) قال العلماء: البُهم الذين لا مال لهم، ففي يوم القيامة لا مال يفدي به الإنسان نفسه من العذاب، وليس هناك ابن يفدي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحب ولا خليل، كلٌ يقول: نفسي نفسي {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٧] نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا.

قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا مُلك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٦-١٧] .

وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة من سورة المطففين.