للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (كتاب مرقوم)

قال الله تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:٢٠] هذا بيان لقوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين:١٨] أي: أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم، مكتوب لا يتغير ولا يتبدل {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:٢١] أي: يحضره أو يشهد به المقربون؛ و (المقربون) عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته، وكلما كان الإنسان أكثر طاعةً لله كان أقرب إلى الله، وكلما كان الإنسان أشد تواضعاً لله كان أعز وأرفع مكاناً عند الله.

قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١] فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فقربهم الله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:٢٢-٢٣] الأبرار: جمع بَرٍّ، والبَرُّ: كثير الخير كثير الطاعة كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منَّ الله عليهم بفعل الخيرات وترك المنكرات في نعيم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:٢٢] والنعيم هنا يشمل: نعيم البدن ونعيم القلب.

أما نعيم البدن: فلا تسأل عنه، فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١] ، وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] .

وأما نعيم القلب: فلا تسأل عنه أيضاً، فإنه يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وأن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وكل هذا مما يُدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن.

(والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) يقولون لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٤] جعلني الله وإياكم منهم.