للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (بل الذين كفروا في تكذيب)]

انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة البروج: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:١٩-٢٠] .

قوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بالله ورسوله، سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من غيرهم، وذلك لأن اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فمن لم يؤمن به فليس على شيء من دينه؛ بل إنه سبق لنا أن مَن لم يؤمن برسول واحد من الرسل فهو كافر بجميع الرسل، فمثلاً: مَن لم يؤمن بنوح أنه رسول، ولو آمن بغيره من الأنبياء فإنه مكذب لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٠٥] فبين الله أن هؤلاء كذبوا جميع الرسل مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً؛ إذْ أنه ليس قبل نوح رسول.

كذلك الذي كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو مكذِّب لغيره من الرسل.

فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دين، وأنهم يتبعون التوراة التي جاء بها موسى، نقول لهم: أنتم كافرون بِموسى، كافرون بالتوراة.

وإذا ادَّعت النصارى -الذين يُسَمُّون أنفسهم اليوم بالمسيحيين- أنهم مؤمنون بعيسى، قلنا لهم: كذبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام.

والعجب أن هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم {يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:١٥٧] و {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] أبناءهم؛ لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعَهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩] .

فالحاصل أن قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة -أي: أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار) .

كل الكفار {فِي تَكْذِيبٍ} [البروج:١٩] ، وقال: (فِي تَكْذِيبٍ) فجعل التكذيب كالظرف لهم، أي: أنه محيط بهم من كل جانب -والعياذ بالله-.