للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الدعاء بما نعلم أن الله فاعله]

بالنسبة للدعاء فيما يعلم أن الله سبحانه وتعالى فاعله: كمن يدعو بالنصرة للإسلام، وقد ثبت في بعض الأحاديث أن المستقبل للإسلام فهل يجوز الدعاء في مثل هذه الأمور؟

الدعاء بما نعلم بأن الله سيفعله لا بأس به، ولهذا نحن نقول: اللهم صل على محمد، فندعو له بالصلاة عليه، مع أن الله أخبرنا أنه يصلي عليه، فهو أمر معلوم؛ لأن الله وملائكته يصلون على النبي.

ونقول أيضاً: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة؛ آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً.

والوسيلة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو) ورجاؤه هذا إن شاء الله سيتحقق، وكذلك الدعاء بنصر الإسلام والمسلمين ليس معناه: أن الإنسان لا يؤمن بأن الله سينصر الإسلام.

لكن دعوته هذه تتضمن أن يتصف المسلمون بالإسلام الذي يستحق النصر من تمسك به؛ لأن المسلمين اليوم مع الأسف الشديد ليسوا على الطريق الذي ينبغي أن يكونوا عليه، بل ولا على السنة التي يجب أن يكونوا عليها، وكثير من المسلمين اليوم عندهم صدود عن سبيل الله، أي: أنهم صادون بأنفسهم، وصادون لغيرهم.

ما أكثر الباخلين بالزكاة، ما أكثر الشاكّين في أمر الإيمان بالله، وما أكثر الذين يغتابون عباد الله، وما أكثر الذين يأكلون لحوم الذين يأمرون بالقسط من الناس، فالمهم أن المسلمين اليوم مع الأسف الشديد على حال يرثى لها، ولو أنهم نصروا الله بنصرهم دينه لنصرهم الله كما نصر سلفهم الصالح.

كلنا يعلم أن العرب أمة ضعيفة مهينة ذليلة فقيرة قبل الرسالة، لكنهم بعد الرسالة وحين تمسكوا بالإسلام صاروا أمة عزيزة غالبة، حتى إن تاج كسرى -ملك أعظم دولة في ذلك الوقت- جيء به من المدائن إلى المدينة حتى وضع بين يدي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهل فوق هذا العز من عز؟! لكن مع الأسف كما ترون اليوم أن المسلمين متخاذلون، ليس عندهم من القوة والعزيمة ما يدافعون به عن أنفسهم.

ولا أدل على ذلك مما نحن فيه اليوم، ففي بلاد الإسلام اليوم من تنتهك أعراضهم، وتهدم مساجدهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذريتهم من قبل النصارى، ونحن أمة لا نتكلم بما علينا أن نتكلم به، وما يفعل بالمسلمين اليوم في البوسنة أمر يفطر الأكباد في الواقع، فلو أن الإنسان منا تصور -لا قدر الله علينا إلا الخير- أن عدوه على أشراف المدينة ودخل المدينة، وأن صبيانه وفتيانه الصغار ينادون: جاءنا الصرب جاءنا الصرب.

ويبكون من هول ذلك المشهد، وهو قد تقطع كبده دماً لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فهل نحن نشعر بهذا الشعور الآن؟ أبداً، كل واحد منا على فراشه مع أهله، ولا كأن شيئاً يجري على إخوانه، فالنصارى ليسوا أعداء للبوسنة فقط، وليس نصارى البوسنة هم الأعداء فقط، النصارى أعداء لكل مسلم في كل بلاد الله، سواء كانوا من صرب البوسنة أم من غيرهم، لكن مع الأسف كثير من المسلمين يجهلون ذلك.

والله إن الإنسان أحياناً لا ينام سريعاً كما ينام في العادة إذا تذكر هؤلاء الإخوان المحصورين على يد هؤلاء الصرب المعتدين الظالمين.

ثم لننظر في موقف الأمم المتحدة ماذا صنعت؟ صارت أذل شيء في هذه الحرب، فالصرب يدخلون على الدبابات والأسلحة التي في حيازة الأمم المتحدة يدخلون وفيها الحرس، ثم يأخذونها يقاتلون بها المسلمين، ولا سمعنا أحداً رفع صوته مدوياً من رؤساء المسلمين ينكر هذا الفعل، فأين التناصر بين المسلمين؟! أين الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر؟! وكيف يمكن أن ننصر ونحن متخاذلون هذا التخاذل؟! فأنت إذا دعوت إلى الله بنصر المسلمين ودعوته بنصر الإسلام فإنك تدعو الله تعالى أن يهيئ المسلمين إلى حال يكونون فيها أهلاً للنصرة، فنسأل الله تعالى أن يعيد لنا عزنا ومجدنا، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين حتى يكونوا كما أوجب الله عليهم، فالمسلمون اليوم ألف مليون أو أكثر، ومع ذلك -كما ترون- فإنها أمة ضعيفة مهينة لا تملك شيئاً من أمر نفسها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.