للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإعذار من الكفر إذا كان متأولاً

فضيلة الشيخ! هناك من يقول بأن قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] على أن هناك شركاً يغفره الله، ومثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث الرجل الذي قال لأبنائه: (إذا أنا مت فحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في البر، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني) .

فقالوا: إن هذا كافر مشرك وغفر الله له باجتهاده، فما تعليقكم جزاكم الله خيراً؟

نقول بارك الله فيك: إن الإنسان إذا فعل الشيء بتأويل وهو مؤمن بمضمون ما فعل فإنه لا يكفر، فهذا الرجل لو نظرنا إلى ظاهر عمله لقلنا: هذا الرجل شاك في قدرة الله، فليس هناك إشراك إنما فيه تنقص لله، ظن أنهم إذا فعلوا به هكذا لم يقدر الله عليه، فهو شك في القدرة ولم ينكرها صراحة، لكن ظن أن الله لا يقدر عليه.

لماذا فعل هذا؟ خوفاً من الله، إذاً هو مؤمن بالله، لكن تأول فأخطأ، والله عز وجل يغفر الخطأ لمن تأول، كل إنسان يفعل الشيء بتأويل، فإن الله تعالى يغفر له ولا يؤاخذه به؛ لأنه لو آخذه بشيء فعله متأولاً لكان هذا من تحميل النفوس ما لا تستطيع، والله تعالى قد نفى ذلك، فقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ألم تر أن الصحابة لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) بعد غزوة الأحزاب، وخرجوا فأدركتهم الصلاة، فبعضهم صلى في الطريق، وبعضهم لم يصل إلا بعد المغرب في بني قريظة، هؤلاء أخروا الصلاة عن وقتها، لكنهم متأولون، ولذلك لم يعنفهم الرسول عليه الصلاة والسلام.

وعمار بن ياسر أصابته جنابة وهو في السفر، وجعل يتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، يظن أن هذا هو الواجب فيمن كانت عليه جنابة وليس عنده ماء، وعلمه الرسول، فالمهم أن هذا الرجل كان متأولاً.

وهذا أحد الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام رحمه الله على أن الإنسان يعذر بالكفر إذا كان جاهلاً أو متأولاً.