للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وكذب بالحسنى)]

قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:٩] أي: بالقولة الحسنى وهي قول الله ورسوله.

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:١٠] أي: ييسر للعسرى في الأمور كلها.

ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار أمورهم تتيسر فيقال: نعم قد تتيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط، لا تنعيم روح، ثم هو أيضاً وبال عليهم؛ لقول الله تعالى فيهم: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:٤٤-٤٥] ، وقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢] ) وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة.

وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه فتح الباري وكان قاضي القضاة في مصر: أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله برجل يهودي سمَّان -أي: يبيع السمن والزيت- وأنتم تعلمون أن بيّاع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة، فأوقف العربة وقال لـ ابن حجر: إن نبيكم يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف أكون أنا بهذا الحال وأنت بهذه الحال؟! قال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم، لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، وأما أنت -يقول لليهودي- فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر، فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سبباً في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله!!